والآن، نجد أنفسنا على شفا نوع جديد من محو الأمية، ألا وهو محو أمية الذكاء الاصطناعي، حيث أعلن المنتدى الاقتصادي العالمي بجرأة أنه "بدون محو أمية الذكاء الاصطناعي عالميًا، فإن الذكاء الاصطناعي سيخذلنا".
وبناء على هذه الخلفية، فإننا نرى أهمية واضحة وملحة لمحو أمية الذكاء الاصطناعي بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وذلك من خلال عدة أبعاد رئيسية:
1 - تعزيز استراتيجيات التسويق ونمو الأعمال: حيث يمكن للأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي توفير أفكار قيمة للجمهور المستهدف، وتحسين تجربة العملاء والمشاركة، وأتمتة عمليات التسويق، وتحسين المجهودات الإعلانية وتحسين الوظائف الأخرى المتصلة بالمبيعات مثل التنبؤ وإدارة القوائم والجرد.
2 - تقليل النفقات وتحسين إنجاز المهام: يمكن أن يؤدي اعتماد الذكاء الاصطناعي في الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى تقليل التكلفة والمخاطر وتحسين إنجاز المهام.
3 - التغلب على التحديات التكنولوجية: غالبًا ما تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة تحديات تتعلق بتوافر البيانات ومعايير جمع البيانات والبنى التحتية لدعم تبني الذكاء الاصطناعي. حيث أن بناء أساس لمحو أمية الذكاء الاصطناعي قد يساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة على مواجهة هذه التحديات وتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي بنجاح.
4 - تمكين الابتكار والنمو: يؤدي تعليم الذكاء الاصطناعي إلى تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من تجاوز التعقيدات المتصلة بتطبيقاته واتخاذ قرارات مستنيرة والاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي للابتكار والنمو.
5 - معالجة تحديات تبني الذكاء الاصطناعي: فإن فهم التحديات الرئيسية لتبني الذكاء الاصطناعي في الشركات الصغيرة والمتوسطة - مثل إدارة التغيير، والتعليم، والبيانات، والتوظيف، وهيكلة المشاريع، والمساعدة الخارجية - قد يساعد الشركات على التغلب على هذه العقبات وتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي بنجاح.
6 - تحسين القيادة في عصر الذكاء الاصطناعي: إن محو أمية الذكاء الاصطناعي على مستوى قادة الأعمال يضمن قدرتهم على التعاون بشكل فعال مع التقنيين واتخاذ قرارات مستنيرة وتخفيف المخاطر المحتملة المرتبطة بتبني الذكاء الاصطناعي. ببساطة، فإن الشركات التي تستثمر في بناء محو أمية الذكاء الاصطناعي بين أفرادها ستكتسب ميزة تنافسية كبيرة على منافسيها، مما سيجعلهم يعانون في محاولة اللحاق بالركب.
إذن ما المقصود بالضبط بمحو أمية الذكاء الاصطناعي؟
يختلف تعريف ذلك بناء على الجهة الموجه لها هذا التساؤل. فعلى سبيل المثال، تصفها الأمم المتحدة بأنها القدرة على "فهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي واستخدامها ومراقبتها والتفكير النقدي فيها دون أن تكون بالضرورة قادرًا على تطوير نماذج للذكاء الاصطناعي".
ولكن في سياق الشركات الصغيرة والمتوسطة، فمن المنطقي أكثر أن ننظر إليها على أنها تتعلق بفهم تقنيات الذكاء الاصطناعي والتفاعل معها والاستفادة منها بطريقة تعزز الأهداف المهنية والتنظيمية.
وفي هذا الصدد، يمكن تعريف محو أمية الذكاء الاصطناعي للمهنيين المحترفين من خلال 3 مكونات رئيسية:
1 - استيعاب المفهوم: ويتعلق هذا بفهم المبادئ الكامنة وراء الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، حيث لا تكمن الفكرة في استخدام الذكاء الاصطناعي فحسب، بل في فهم ما يحدث وراء الكواليس.
2 - الكفاءة التشغيلية: ويستلزم ذلك القدرة على العمل بفعالية مع أدوات وأنظمة الذكاء الاصطناعي، واستخدامها لحل مشاكل الأعمال في العالم الواقعي. وقد يتضمن ذلك استخدام برنامج خاص بالأدوار يعمل بنظام الذكاء الاصطناعي أو أدوات أكثر عمومية مثل: ChatGPT
3 - الاستشراف الاستراتيجي: ويتضمن ذلك القدرة على تمييز التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على المؤسسة، بما في ذلك إدارة المخاطر والاعتبارات الأخلاقية وإدارة التغيير. كما يشمل أيضًا القدرة على تحديد الفرص التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحقق فيها قيمة، والفطنة الاستراتيجية لدفع مبادرات الذكاء الاصطناعي داخل المؤسسة.
أما مدى حاجة كل شخص في المؤسسة للدراية بالذكاء الاصطناعي فهو يختلف وفقًا لدور ذلك الشخص. فقد يكون للمديرين التنفيذيين احتياجاتهم الخاصة في محو تلك الأمية والتي تختلف عن المديرين التنفيذيين الآخرين، والتي بدورها تختلف عن فرق الدعم في الإدارة الوسطى والخط الأمامي. وهذا هو السبب في أن الشركات يجب أن تتعامل مع محو أمية الذكاء الاصطناعي باتباع أسلوب الدور المنهجي الذي شرحته في مقال آخر بعنوان "محو الأمية القائم على الدور للذكاء الاصطناعي، مخطط استراتيجي من ثلاث خطوات".
إن التحول الجذري والنموذجي الذي نشهده الآن يشبه فجر العصر الرقمي الذي حل علينا منذ 20-30 عامًا، حيث أدى ذلك التغيير إلى أن أصبحت المعرفة الرقمية مهارة أساسية لكل شخص تقريبًا في المؤسسة. فعلى سبيل المثال، لم يكن من المتوقع أن يتقن الجميع وظائف Excel المعقدة أو أن يصبحوا بارعين في البرمجة، وإنما كان مطلوبًا منهم مجرد فهم المفاهيم الأساسية مثل الحفظ والفتح والإرسال والاستلام والتراجع والإرفاق وما إلى ذلك، إلى جانب الأدوات ذات الصلة بكل دور.
والآن، في عصر محو أمية الذكاء الاصطناعي، لا يحتاج كل مهندس محترف إلى أن يصبح مهندسًا للذكاء الاصطناعي أو عالم بيانات. لكن من المؤكد أنه يجب أن يكون على دراية بالمبادئ الأساسية للذكاء الاصطناعي، وأن يكون مرتاحًا في التفاعل مع أدوات الذكاء الاصطناعي، ويتعرف على التأثيرات والتطبيقات المحتملة للذكاء الاصطناعي في عمله اليومي.
فكلما زاد عدد الموظفين المتعلمين بالذكاء الاصطناعي، كلما زادت فعاليتهم في تحقيق الأهداف المهنية والتنظيمية. وهو ما ينطبق على جميع المنظمات، ولكنه ينطبق بشكل خاص على الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث الموارد المتاحة محدودة والحاجة إلى الاستفادة من جميع الفرص المتاحة أكبر من أي وقت مضى.
نبذة عن المؤلف
فهد بزاري هو مؤسس معهد بيلامي ألدن لتمكين الذكاء الاصطناعي.
تواصل معه على LinkedIn عبر www.linkedin.com/in/fahedbizzari/