إن صناعة الألعاب هي في حالة تغير مستمر حاليًا.
حيث لم تعد وحدات التحكم هي الحل النهائي من أجل اللعب، فقد قفزت ألعاب الموبايل في العقد الماضي أو نحو ذلك إلى آفاق جديدة، لتصبح المنصة الأكثر شعبية للاعبين في جميع أنحاء العالم.
وفي خضم هذا التحول، رأينا نموذج عمل freemium، حيث يمكن تنزيل الألعاب وتشغيلها مجانًا، ولكن يطلب من اللاعبين الدفع للحصول على ميزات إضافية مثل الشخصيات والمستويات والجلود والأسلحة الجديدة، والتي تمتد من عالم الهاتف المحمول إلى منصات أخرى. وفي ضوء ذلك، يستمر الجدل الدائر بين اللاعبين اليوم في الدفاع عن أو انتقاد التعاملات (أو الإجراءات) الصغيرة المذكورة في تلك الألعاب، حيث أصبح من الصعب بشكل متزايد الحصول على منتج كامل عند الشراء، وذلك على عكس نماذج الألعاب المقدمة كخدمة (GaaS) والتي تتنامى، حيث يتم إصدار المحتوى باستمرار بينما يتم تحفيز اللاعبين لإجراء عمليات شراء داخل اللعبة.
وربما كرد فعل على هذا التوجه، فقد شهدنا ظهور نموذج عمل جديد، مدعومًا بابتكارات ويب3، والمتمثل في: ألعاب "العب لتكسب" (P2E)، حيث أصبحت هذه الألعاب ممكنة عبر تقنية البلوك تشين وانتشار العملات المشفرة، و رموز الأصول المشفرة غير القابلة للاستبدال (NFTs)، فهذه الألعاب تقوم حاليا بتحويل نماذج الأعمال في هذه الصناعة رأسًا على عقب، حيث ستصبح الألعاب أكثر من مجرد شكل من أشكال الترفيه، كما أن اللعب يعني الحصول على مردود مادي.
ومع معظم ألعاب P2E، غالبًا ما يضطر اللاعبون إلى سداد دفعة لمرة واحدة تمنحهم إمكانية الوصول إلى اللعبة، وعادة ما يتم شراء الـNFT من اللعبة نفسها، ثم يتم منحهم حق الوصول إلى العنوان الكامل، حيث يمكنهم اللعب والترقية والتخصيص والمزيد لتحسين تجربتهم والتقدم بشكل أكبر، وجني المكاسب التي يمكن أن تأتي في شكل NFTs (أي أصول مشفرة) إضافية أو عملات تشفير مثل يثيريوم.
كما يمكن للاعبين تداول وشراء وبيع الـNFTs وأحيانًا العملة أثناء اللعب، والمشاركة في التحديات التي تكسبهم المزيد من المكافآت وشراء ترقيات لشخصياتهم أو حساباتهم عبر معاملات صغيرة اختيارية … إلخ.
وتمثل "Axie Infinity" لعبة البلوكتشين الأولى في العالم اليوم، والتي سجلت أكثر من 1.5 مليون لاعب نشط يوميًا خلال الشهر الماضي فقط. حيث تم بيع الشخصية الأكثر كلفة (Axie) على المنصة مقابل 300 ETH (أي 300 وحدة من العملة المشفرة إيثيريوم)، والتي كانت تعادل 1.1 مليون دولار وقت البيع. في حين تبلغ قيمتها حاليًا، بعـد الانهيار الأخير للعملات المشفرة ، حوالي 315,000 دولار.
وإذا ما قمت باستبعاد مكون الـNFT، فلن تختلف هذه الألعاب كثيرًا عن ألعاب freemium الشائعة مثل: Genshin Impact أو Warframe أو Clash Royale أو Hearthstone. ومع ذلك، فإن الاختلاف الرئيسي يكمن في أن ألعاب الـ P2E (العب لتكسب) تمنح لاعبيها فرصة لتحقيق عائد على استثماراتهم، أموالهم ووقتهم، وليس الترفيه فقط. وهـذا الاختلاف صارخ بشكل خاص مع ألعاب freemium التي تتضمن عنصرًا من صناديق الغنائم العشوائية حيث يتعين على اللاعبين في كثير من الأحيان استخدام مورد معين أثناء اللعبة (والتي تشجعك منحنيات اللعبة على شرائها بأموال حقيقية مقابل المرور عبر طريقة لعبة تخدير العقل) لمحاولة إطلاق العنان لشخصيات أو أسلحة أو عناصر معينة. وباستخدام نموذج صندوق الغنائم، لا يمكنك ضمان الحصول على العنصر أو الشخصية التي تريدها، وهـذا ما تسبب بتذمر المنظمين من مطوري الألعاب في السنوات الأخيرة بدعوى مزاعم المقامرة.
ومع ألعاب P2E، فإنك تحصل على ما تدفع مقابله، كما أن لديك فرصة لتحقيق عائد، لـذا فهي بمعنى ما أفضل على الورق من ألعاب freemium.
ومع ذلك، لا تزال الـP2E نموذجًا ناشئًا للألعاب، فهي نموذج غارق بشكل خاص في بحر من الشك. ولا تزال معايير الألعاب في هذا المجال أولية تمامًا، مع الرسومات وطريقة اللعب التي لا تتساوى مع الألعاب الثلاثية، ناهيك عن بعض ألعاب الـfreemium ذات الوزن الثقيل. ثم إن هناك مشكلات الأمن عبر الإنترنت: فقد تم اختراق Axie Infinity مؤخرًا، وتم سرقة عملة مشفرة بقيمة 600 مليون دولار من مطور Sky Mavis ومن محافظ اللاعبين. ودعونا أيضًا ألا ننسى الجدل الدائر حول NFTs وتأثيرها على البيئة.
وفي الوقت الحاضر، فإن مطوري ألعاب P2E لديهم أوقات فراغ مستقطعة من أعمالهم. وليس من الواضح كيف وما إذا كانت ستأتي اللحظة التي بنهار فيها هذا المجال، ولكن إذا ما حدث ذلك، فقد يعني ذلك إعادة قولبة صناعة الألعاب لعقود قادمة. سيما أن بعض أكبر ناشري الألعاب في العالم مهتمون بالفعل بالألعاب التي تعمل بنظام البلوكتشين، بغض النظر عما إذا كانت عواقب ذلك ستأتي إيجابية أم سلبية.