يبدو أن كل ما كان يمت بصلة للحياة المهنية للرئيس التنفيذي والمؤسس هيثم جمال قد قاده إلى إنشاء شركة Distichain، وهي منصة مقرها الإمارات العربية المتحدة، تجمع بين التكنولوجيا وتكامل النظام البيئي والإطار القانوني القوي للدفع بالتجارة العالمية إلى المستقبل.
وسواء من خلال منصبه كمدير عام لمنطقة المشرق العربي في نوكيا، حيث كان يشرف على أعمال بقيمة ملياري دولار في ستة بلدان (وحيث عمل بالصدفة مع شريكه المستقبلي بالتأسيس وسيم مرعبي)، أو بعد ذلك في مجموعة شلهوب، والتي تمثل واحدة من أكبر مجموعات الرفاهية والجمال في المنطقة، حيث تضمن عمل جمال التوزيع والتجارة والبيع بالتجزئة والمشتريات والتجارة الإلكترونية على نطاق عالمي.
لذلك فعندما بدأ هيثم يسمع في عام 2017-2018 عن التقنيات الجديدة الناشئة في مجالي التكنولوجيا المالية وسلاسل التوريد، والتي تعتمد على البلوكتشين والذكاء الاصطناعي (AI) في عملها، سرعان ما أدرك أن التحول الرقمي سيغير الطريقة التي تتم بها الأمور في مجاله الذي يعتمد بشكل كبير على المعاملات الورقية والعمل اليدوي المجهد. لكن كما يخبرنا هيثم كان السؤال الحقيقي هو: "كيف سيعرف الناس أن هذه الخدمات موجودة، بل وكيف يمكنهم الوصول إليها؟ حتمًا فإن الشركات الكبيرة ستكون على دراية بمثل هذه الخدمات، ولكن ماذا عن الآخرين؟".
ولهذا نشأت Distchain كمنصة تنسيق تتيح للنظام البيئي بأكمله الوصول إلى خدمات مبتكرة ومثيرة تعمل على تبسيط التجارة الدولية. "عندما يتعلق الأمر بالتجارة، فأنت لا تحتاج فقط إلى الخدمات اللوجستية والتأمين والدفع؛ حيث أنك بحاجة أيضا إلى أن يعمل كل ذلك معًا بسلاسة. وفي التجارة الدولية بالذات، فإن هذا الأمر معقد للغاية. فالتكنولوجيا تعتبر جزءًا واحدًا فقط من الصورة. وأما المعايير القانونية المختلفة والقواعد المعقدة، فهي تعقيدات غير مرئية لمعظم الناس. لـذا، وبعبارات بسيطة، يمكننا القول بأن شركة Distichain تقوم بتقديم 'التجارة الدولية كخدمة' ".
نهج ذو ثلاث شعب
تركز شركة Distichain على ثلاثة مكونات هي: التكنولوجيا (ذلك كونها منصة تعتمد على واجهات برمجة التطبيقات (API) لأداء الوظائف المختلفة)؛ وإمكانية الوصول الفوري إلى نظام بيئي واسع لمقدمي الخدمات؛ والإطار القانوني الذي يربط جميع هذه العناصر ببعضها البعض.
ومن أجل تحقيق هذه الرؤية الطموحة بطريقة قابلة للتكرار والتطوير على صعيد التكنولوجيا، قام جمال بالاستعانة بألبرتو لوبرانو، وهو الآن شربك مؤسس. "ألبرتو هو من قام بنقل موقع سوق دوت كوم من نموذج eBay إلى نموذج أمازون، ذلك قبل أن يقوم ببناء تقنية noon.com من الصفر. إنه أحد أكثر رواد التكنولوجيا إنتاجية في هذه المنطقة ضمن نطاقي المتاجر الإلكترونية والبنية التحتية للمنصات والتطبيقات"، وكما يقول جمال. "يتطلب الأمر شخصًا مثل هذا لتحقيق هذه الرؤية على أرض الواقع .."
أما من حيث بناء النظام البيئي، فقد كان التوقيت عاملًا أساسيًا. ففي الماضي، كان آخرون قد ارتأوا أن هناك حاجة ماسة لمنصة مثل Distichain فحاولوا إطلاق منصة مضاهية منذ خمس سنوات، إلا أن الخدمات الإلكترونية اللازمة لإطلاق هكذا منصة لم تكن جاهزة بعد في ذلك الوقت. أما اليوم، فهذه الخدمات قد أصبحت أكثر نضجًا وفي تحسن مستمر وسريع. "نحن نخلق نظامًا بيئيًا للتجارة يمكن الوصول إليه عبر التكنولوجيا. لذلك، فقد كنا بحاجة إلى ربط جميع العناصر: البنوك، والخدمات اللوجستية، وما إلى ذلك. كما كنا بحاجة إلى إقناع الرواد الأوائل الذين نجحوا في إطلاق خدمات عالمية للتحقق من الهوية، ومقدمي التكنولوجيا المالية الحرجة، وغيرهم للعمل معًا"، ويشرح جمال ذلك قائلًا: "لقد كان التحدي الحقيقي هو أن نتمكن من إقناع المشاركين الأوائل بالالتحاق بالمنصة، سيما أن الكل يفضلون بأن يكون النظام البيئي جاهزًا قبل الانضمام. لقد كان الموقف يشبه القصة القديمة عن أيهما أتى قبل الآخر: الدجاجة أم البيضة، لكننا تمكنا من تحقيق ذلك".
وبالنسبة للخبرة القانونية، فقد عمل الفريق لأشهر مع شركتين للمحاماة فقط لفهم كيفية وضع شركة Distichain وعروضها معًا من منظور مفاهيمي. "تكمن مشكلة التجارة الإلكترونية من شركة لشركة (B2B) في أن الجميع يعتقد أنها تعمل تمامًا مثل نموذج البيع من شركة للمستهلكين (B2C)، إلا أن التوزيع والمشتريات والبيع بالجملة يختلفان عن البيع بالتجزئة، حيث لا يمكن إدارة التجارة الدولية في أجزاء من الثانية؛ فأحجام التداول ليست هي نفسها في الحالتين؛ كما لا يمكنك استخدام بطاقات الائتمان في نموذج البيع من شركة لشركة. يقول جمال: "أنت بحاجة إلى تكويد المتطلبات اللازمة لدعم التجارة الدولية في حمضك النووي كشركة". إن شركة Distichain تعمل على تبسيط هذه العملية برمتها وتقليل الوقت الذي تستغرقه في المفاوضات وذلك من خلال تنشيط شبكة شركائها.
تطوير علاقات طويلة الأمد
تم إطلاق شركة Distichain في نهاية عام 2021، وهي الآن تعمل بكامل طاقتها، حيث تقوم بخدمة ثلاث فئات من العملاء: أسواق الـــB2B الإلكترونية؛ والشركات الكبيرة ذات سلاسل التوريد المعقدة؛ والحكومات والجمعيات التجارية التي تتطلع إلى تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وكما يشرح لنا جمال، فالتجارة هي بمثابة عملية متكاملة الأركان، حيث تقوم شـركة Distichain بربط الأطراف المختلفة داخل هذه العملية، ثم تضمن أن كل خطوة تحدث بشكل صحيح، مما يتيح توفيرًا كبيرًا في التكاليف. "إن القيمة المضافة لـ Distichain متعددة"، وكما يقول"نقوم بمنح أسواق الــــB2B منصة كاملة وجاهزة للانطلاق وكل ذلك بتكلفة مبرمج واحد؛ بحيث يمكن لأصحاب الشركات المباشرة فورًا بالتركيز على الجوانب التجارية. وبالنسبة لجميع المستخدمين، نقوم أيضًا بتمكين الكفاءات التي تؤدي إلى توفير التكاليف: ففي هذا القطاع الذي يعتمد بنسبة 90٪ على المستندات الورقية والعمل اليدوي، قد تساعد الأتمتة على إنقاذ شركتك؛ إن منصتنا الإلكترونية لا تأخذ إجازة أبدًا فهي تعمل على الدوام، كما لا يتم فقد أي مستندات، في حين يتم تجنب الأخطاء وتوفير الوقت. وبما أننا نتعامل مع عدد كبير من مقدمي الخدمات المتفرقين في مشهد فوضوي للغاية، فيمكننا بالتالي التفاوض (بالنيابة عن هذه الشركات) بشأن الأسعار بحيث نساعد الشركات على التحسين بشكل كبير من هيكل التكلفة لديها. وأخيرًا، فنحن نلغي الحاجة إلى الوسطاء، حيث يمكننا توفير ما يصل إلى 20٪ من التكاليف لبعض الشركات، هذا ناهيك عن أننا نساعد هذه الشركات على تجنب الصداع (الناتج عن المفاوضات مع مقدمي الخدمات)". وفي الوقت نفسه، ومع تزايد رقمنة المؤسسات الحكومية داخليًا، فإن منصة Distichain توفر الاتصال بين نقاط اتصال مختلفة بسيطة وسلسة - فيمكننا بالتالي القول بأن هذه المنصة بمثابة "طريق حريري" رقمي يساعد على تمكين التجارة.
وباعتبارها نظامًا بيئيًا، فإن Distichain ترتكز بشكل أساسي على مفهوم التعاون حيث أنها تعتمد على نموذج مشاركة الإيرادات. "لدينا رسوم اشتراك صغيرة ورسوم تراخيص شهرية زهيدة قدر الإمكان. ولكن رسوم معالجة المعاملات هي أكثر ما سيساعدنا على البقاء في المدى الطويل. وكما يقول جمال: "هكذا، فإننا ننجح عندما ينجح عملاؤنا".
خطوة خطوة
تركز Distichain في الوقت الحالي بشكل أساسي على قطاعي الأغذية والزراعة، بهدف مواجهة التحدي العالمي الحرج، والأمن الغذائي، من خلال الاستفادة من التكنولوجيا والتعاون لتطوير نظام بيئي أكثر استدامة وكفاءة.
يوضح جمال: "في العديد من البلدان، يعد الأمن الغذائي قضية ملحة". "ومن خلال أتمتة العمليات التجارية ورقمنتها، يمكننا مطابقة العرض والطلب، وتحسين إمكانية التتبع، وتمكين المعاملات بشكل أسرع وأكثر شفافية. ولا يفيد هذا الشركات فحسب، بل يساعد أيضًا في ضمان وصول الطعام بكفاءة".
ويتصور جمال مستقبلًا تعمل فيه شركة Distichain على تقديم المساعدة، من خلال الاستفادة من تقنيات مثل: البلوكتشين والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، في إنشاء نظام بيئي لامركزي وشفاف يمكّن كافة أصحاب المصلحة، ويقلل من فقد الغذاء، ويضمن أسعارًا عادلة.
إلا أن قطاعي الأغذية والزراعة ليسا سوى الخطوة الأولى، فكما يوضح جمال: "إن العمليات هي نفسها (في القطاعات التجارية المختلفة)، أما الاختلاف فيكمن فقط في مستويات التعقيد. عندما ننجح في إنشاء نظام بيئي متماسك يخدم مقدمي الخدمات في هذين القطاعين بشكل ممتاز وننجح في بناء كتلة (من العملاء)، فإننا سوف ننتقل إلى القطاع التالي".