تعتبر الرحلة من التهميش إلى الشهرة الواسعة ظاهرة آسرة بالنسبة للرواد، حيث أن تحويل السلوكيات الهامشية إلى اتجاهات سائدة على التيار هو عملية معقدة تنطوي على العديد من التفاعلات - ويشمل ذلك التأثيرات والانطباعات لدى الأفراد والجماعات. وللخوض في هذه الرحلة الرائعة، فنحن بحاجة إلى الرؤى والأفكار العميقة التي تشاركنا إياها هيلين إدواردز، الأستاذة المساعدة المرموقة في تخصص التسويق بكلية لندن للأعمال. وإن كتاب هيلين، "من الهامش إلى الرواج"، لا يقدم فقط إطارًا عميقًا لهذا التحول، ولكنه يوفر أيضًا إرشادات قابلة للتنفيذ لرواد الأعمال والمسوقين والمبتكرين الذين يطمحون إلى الدفع بأفكارهم من الهوامش إلى قلب المجتمع.
المنارات الثمانية: كيفية خوض الرحلة إلى الرواج والقبول
1. الحماسة والأنصار المتحمسون لقضية ما
في قلب كل رحلة من التهميش إلى الرواج يكمن عنصر مهم - وهو التفاني الشديد لمجموعة صغيرة من الأنصار. وتشرح ذلك هيلين إدواردز قائلة: "أنت بحاجة إلى الحماسة لتتمكن من تحويل أي سلوك هامشي إلى سلوك رائج." حيث يكرس هؤلاء الرواد المتحمسون أنفسهم بكل تفان وإخلاص لهذا السلوك، وبهذا الشكل يقومون بتوليد الزخم اللازم لتحقيق قبول أوسع.
ويصبح التزامهم الذي لا يتزعزع هو شرارة التغيير. فعندما يكون هناك مجموعة من الأنصار المتحمسين المستعدين لدعم سلوك ما والدفاع عنه، فإن هذا السلوك سرعان ما يكتسب الزخم اللازم لتحدي التيار السائد. وكما تشرح ذلك هيلين إدواردز، "أنت بحاجة إلى الحماسة للدفع بأي سلوك هامشي الى الرواج". حيث أن هذه الحماسة هي القوة الدافعة وراء السلوكيات التي تتجاوز الهوامش. إنها تنطوي على صقل مجموعة صغيرة متحمسة من الأشخاص الذين يتبنون هذا السلوك بمنتهى الإخلاص ويصبحون بمثابة المحفزين لاعتماد هذا السلوك على نطاق واسع.
2. المقاومة والتفاهم
تلاحظ إدواردز بذكاء بأن "المقاومة هي عملية دقيقة ومعقدة". إن المقاومة - أي مقاومة التيار وما هو تقليدي - هو جزء لا يتجزأ من الرحلة من الهوامش إلى الرواج. والمقاومة هي جزء لا يتجزأ من إدخال السلوكيات التي تتحدى القاعدة في الاعتبار. ومع ذلك، ليست كل أشكال المقاومة متساوية. حيث تلاحظ هيلين بأنه: "كلما زادت مقاومة التيار وبدأ المزيد من الناس بتبني فكرة: ... "أنا مهتم (بهذا الأمر)، لكنه غير عملي"، كلما زادت الفرص المتاحة لك لجعل هذا السلوك عمليًا أكثر ، ومقبولًا أكثر على الصعيد الاجتماعي".
إن إدراك الطبيعة الخاصة للمقاومة ومعالجتها يمهدان الطريق للتغيير. وعندما تحاول السلوكيات الانتقال من الهوامش للرواج، قد يؤدي فهم الجوانب المتنوعة للمقاومة إلى تعديلات استراتيجية تجعل التبني عملية أسهل، ويجب على رواد الأعمال إدراك أن المقاومة لا تعني دائمًا الرفض، فغالبًا ما تنشأ عن مخاوف عملية أو عن عدم معرفة. ومن خلال فهم هذه التفاصيل الدقيقة، يمكن لأصحاب المشاريع تصميم استراتيجياتهم لمعالجة المفاهيم الخاطئة والمخاوف بشكل فعال.
3. عدم التوافق ومعالجة الاختلاف
قد تواجهك عقبة كبيرة متمثلة في عدم التوافق بين الأسباب المؤيدة لسلوك ما وتلك المعارضة له. فعندما تتعارض الأسباب والدوافع لتبني سلوك ما، فإن رحلة هذا السلوك نحو الرواج ستواجه حواجز حقيقية. ويحدث عدم التوافق عندما يكون لدى المؤيدين والمشككين دوافع متعارضة. فعلى سبيل المثال، كان الدافع المبكر للنباتيين متجذرًا في الرفق بالحيوان، بينما نشأت المقاومة (للتيار السائد) من الإيمان بالحاجة إلى المنتجات الحيوانية للصحة.
وتؤكد هيلين، "غالبًا ما يكون السبب في عدم القيام بالسلوك هو في الحقيقة سببًا دافعًا للقيام به، والعكس كذلك صحيح". وقد يؤدي حل هذا الاختلال والاختلاف إلى تمهيد الطريق نحو القبول. إن تحديد ومعالجة هذه الدوافع المتضاربة يضع الأساس لبناء الجسور بين المدافعين المتحمسين والمتبنين المحتملين. "إن السبب الأصلي لكونك نباتيًا كان القسوة على الحيوانات، أما عنصر المقاومة للتيار السائد فكان متمثلًا في المخاوف الصحية" ... ويمكن لرواد الأعمال سد هذه الفجوة من خلال تنسيق الروايات المتضاربة، وإطلاق قصة موحدة تلقى صدى لدى جمهور أوسع.
4. النواقل وتأثير الثقافات الفرعية
تعمل الثقافات الفرعية كقنوات لتقديم السلوكيات الهامشية إلى جمهور أوسع. وتشرح هيلين ذلك بأنه "يمكن أن تكون الثقافة الفرعية بمثابة ناقل، لذا ابحث عن تأثير الثقافة الفرعية الأوسع." الثقافات الفرعية، مثل حركة "الـزعران" (أو الـpunk) الثقافية في الثمانينيات، تحمل سلوكيات هامشية كجزء لا يتجزأ من هويتهم.
ويتيح هذا التكامل لهذه السلوكيات أن تتسرب تدريجيًا إلى الوعي السائد. ومن خلال الاستفادة من ثقافات التقارب الفرعية التي تحمل هذه السلوكيات، فيمكننا إطلاق العديد النقاشات التي يتردد صداها مع جمهور أوسع، كما يمكن لرجال الأعمال الاستفادة من الثقافات الفرعية لخلق تأثير مضاعف، حيث يقدم المتبنون الأوائل السلوكيات من الهوامش إلى الرواج.
5. إعادة الصياغة وتغيير وجهات النظر
غالبًا ما يتحدى رواد الأعمال المعايير التقليدية بأفكار مبتكرة. وتتضمن "إعادة الصياغة" تقديم سلوك في مظهر وضوء جديدين. وتستشهد إدواردز في ذلك بمثال "البروتين الحشري"، موضحة كيف يمكن أن يؤدي تغيير الإدراك إلى قبول أوسع، وحيث يؤدي هذا النهج الى تمكين رواد الأعمال من مواءمة مفاهيمهم مع المعتقدات الحالية، مما يجعل عملية الانتقال من الهامش إلى الرواج أكثر سلاسة وسهولة.
وغالبًا ما يجد رواد الأعمال أنفسهم مكلفين بتقديم أفكار تغييرية تتحدى المعايير الحالية. وهنا، يصبح مبدأ "إعادة الصياغة" لا يقدر بثمن. وتستخدم هيلين إدواردز مثال "بروتين الحشرات" لإثبات قوة تغيير المفاهيم: "قلنا: … في الواقع، ليس من الدقة أو الإنصاف وصف هذا البروتين بأنه بروتين حشري ودمغه بهذا الشكل، فهو ليس إلا مجرد بروتين عادي … أليس كذلك؟". وحيث يمكن لرجال الأعمال اعتماد استراتيجية مماثلة للتغلب على المقاومة الأولية لأفكارهم. فمن خلال تسليط الضوء على جوانب مختلفة من سلوكهم وإعادة صياغة أهميته، يمكن لرواد الأعمال مساعدة المتبنين المحتملين على رؤية مفاهيمهم من خلال عدسة مختلفة، وهو ما يفتح الباب أمام المزيد من القبول، حيث يتماشى المنظور الجديد بشكل وثيق مع المعتقدات الحالية. وفي عالم ريادة الأعمال، قد يكون إتقان فن إعادة الصياغة هو المفتاح لدفع الأفكار غير التقليدية إلى الاتجاه السائد.
6. الانعكاس والتحولات في التبرير
يشير "الانعكاس" إلى عملية اكتساب السلوكيات للزخم بسبب حدوث تحولات معينة جذرية في التبريرات لهذه السلوكيات.
إن هذا مثير للاهتمام بالذات لرجال الأعمال الذين يتطلعون إلى تقديم أفكار جديدة. وتوضح هيلين إدواردز ذلك من خلال ضرب التمرينات الرياضية كمثال: "يكمن السبب وراء عدم ممارسة الرياضة في السبعينيات في أن معظم الوظائف كانت يدوية، حيث ستكون في الغالب قد مارست بالفعل قدرًا كافيًا من التمارين البدنية حتى قبل عودتك للبيت". لكن ومع انخفاض وتيرة العمل اليدوي وشيوع الوظائف المكتبية، فقد تحولت التمارين من كونها مجرد ضرورة روتينية صحية إلى خيار واع للفرد. وبالتالي فيمكن لرواد الأعمال الاستفادة من هذه النقطة وذلك من خلال دراسة كيفية نشوء التحولات المجتمعية، ثم القيام بإعادة تشكيل الأسباب والمبررات التقليدية لسلوك ما. فمن خلال تبني هذه التحولات ومواءمتها بشكل مبتكر مع آخر التطورات الثقافية، يمكن لرواد الأعمال تقديم دوافع جديدة بالكامل لتبني سلوكيات جديدة، حيث يكون لها صدى أكبر لدى الجمهور المستهدف.
7. المسرعات والمحفزات الخارجية
يمكن أن تعمل العوامل الخارجية مثل التغييرات القانونية أو التحولات الثقافية أو الاكتشافات العلمية كمسرعات. فعلى سبيل المثال، أدت جائحة كوفيد 19 إلى تسريع تبني سلوكيات مثل: النوم على فترات مختلفة ومتقطعة، وذلك واقع عشناه جميعًا بسبب الطبيعة الفريدة للعمل عن بُعد. ويالتالي مكن لرواد الأعمال تسخير المحفزات الخارجية لتسريع تبني السلوك.
8. التخفيف والتكيف من أجل الوصول
تنطوي عملية "التخفيف" على جعل السلوك أكثر سهولة مع الاحتفاظ بالأصالة. و"التخفيف" هو مبدأ استراتيجي يحمل قيمة هائلة لأصحاب المشاريع الذين يسعون إلى شق الطريق من الهوامش إلى الرواج. وكما تلاحظ هيلين إدواردز : غالبًا ما تنجح الشركات في الوصول إلى جمهور أوسع من خلال "تخفيف" شدة أو كثافة السلوك.
وهذا يعني جعل السلوك أكثر سهولة في الوصول إليه واستخدامه بسهولة. ويمكن لرجال الأعمال تطبيق هذا المفهوم من خلال الموازنة بعناية بين الأصالة والبساطة. إن الأفكار المعقدة أو المتطرفة قد تكون شاقة للجمهور العادي. وبالتالي، فإن إيجاد طرق لتكييف هذه الأفكار وتقديمها بطريقة يسهل فهمها وتبنيها أمر ضروري. فمن خلال سد الفجوة بين الرواد المتحمسين والجمهور الأوسع، يمكن لرواد الأعمال ضمان ألا تظل أفكارهم محصورة في الهوامش. وبدلًا من ذلك، يمكنهم جمع الزخم وتمهيد الطريق لها لتحقيق قبول واسع النطاق.
وفي عالم ريادة الأعمال، تعمل هذه المنارات الثمانية - الحماسة، والمقاومة، وعدم التوافق، والنواقل، وإعادة التأطير، والانعكاس، والمسرعات، والتخفيف - كأضواء ترشد الرواد عبر رحلتهم في نقل سلوكيات معينة للمستهلكين من الهوامش إلى الرواج. ومن خلال فهم هذه الديناميكيات وتسخيرها، يمكن لأصحاب المشاريع تحسين استراتيجياتهم، وجذب الانتباه، وفي النهاية دفع تبني الأفكار المبتكرة على نطاق مجتمعي. ونظرًا لأن المسوقين والمبتكرين يتبنون القوة التحويلية لهذه المنارات، فإنهم يفتحون إمكانية الدخول إلى عالم لا تقتصر فيه المفاهيم المبتكرة على الهامش ولكنها تقف في طليعة التطور المجتمعي.