نظرًا للسعي المستمر من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة نحو تمكين مواطناتها في العقود الماضية، فقد شهدنا تحقيق العديد من النساء للتميز والتفوق.
وقد شهد تعليم الإناث بالذات في الدولة تحت قيادة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك تطورًا استثنائيًا، حيث وصلت معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة اليوم إلى 95.8٪، كما أن 95٪ من خريجات المدارس الثانوية يتابعن تعليمهن في مؤسسات التعليم العالي، مقارنة بـ 80٪ من أقرانهن الذكور، حيث يواصل الكثير منهن انجاز الابتكارات والأعمال التجارية ذات الأثر.
ومن بين صناع التغيير هؤلاء سعادة علياء المزروعي، الرئيس التنفيذي لقطاع التمكين في صندوق خليفة لتطوير المشاريع (KFED)، ورائدة أعمال أسست العديد من المشاريع الناجحة. فمن خلال خبراتها المتنوعة التي تشمل القطاعين العام والخاص في عدد لا يحصى من الصناعات بما في ذلك الاستشارات والأغذية والمشروبات والتعليم وخلافه، كان لدى سعادتها دائمًا نظرة جريئة منذ الوهلة الأولى، حيث كانت مصرة على التخطيط لمسارها الخاص خلال الحياة، بما من شأنه أن يساعدها على تحقيق طموحاتها.
وتقوم سعادة علياء المزروعي بالتحدث مع منصة أبوظبي للأعمال لاستعراض ومناقشة رحلتها الشخصية في مجال ريادة الأعمال وآليات الدعم المتاحة في الإمارات العربية المتحدة، فضلًا عن تقديم المشورة لرواد الأعمال الذين يتطلعون إلى النجاح في أبوظبي وخارجها.
كيف أثرت تجاربك السابقة عليك وجعلت منك رائدة الأعمال التي أنت عليها الآن؟
كانت البداية عندما شهدت تأسيس مشروع والدي الأول في القطاع الخاص، فقد ألهمني ذلك وأثار اهتمامي بريادة الأعمال، رغم أنه لم يكن هنالك الكثير من السيدات في المجال في دولة الإمارات، إلا أنني أردت أن أختبر نفسي فيه.
في عام 2007 بدأت مشروعي الأول، وأتذكر بوضوح ما أخبرني إياه والدي حين عبرت عن رغبتي بفتح مشروع مطعم. قال لي وقتها: "ينبغي أن تتعلمي قبلاً كيف تديرين مشروعاً تجارياً"
ساعدتني هذه النصيحة القيمة في بداية مشروعي، فبدلاً من تعيين أحد لإنجاز كل ما يتعلق ببدء المشروع، توليت مسؤولية ذلك بنفسي الأمر الذي ساعدني كثيراً بعدها.
اعتقدت في بداية المشروع في مرحلة التخطيط أن كل ما أحتاج إليه فقط هو رخصة تجارية لإدارة المشروع، لم أعلم ولم أكن على استعداد لمواجهة جميع التحديات التي واجهتني في رحلتي. كان علي إنجاز الأعمال الورقية والمعاملات في البلديات، والحصول على موافقات من جهاز الرقابة الغذائية، والدفاع المدني، وغيرها، وقد وجدت العملية برمتها صعبة للغاية، لكني أدرك الآن أن هذه التجربة التي مررت بها جعلتني على دراية بالصعوبات التي يواجهها رائد الأعمال في تأسيس مشروعه وإدارته وإنجاحه.
بالنظر إلى تجربتك كرائدة أعمال، شاركينا أهم الدروس التي تعلمتيها، وهل كنت لتغيري شيء ما؟
شخصياً، أنا لا أستسلم أبداً، وقد واجهتني في رحلة مشروعي العديد من التحديات التي تواجه تقريباً جميع المشاريع في بدايتها، حيث كان علي القيام بالكثير من الإجراءات الرتيبة التي من شأنها تصعيب الأمور فيستغرق المشروع ليبدأ وقتاً المتوقع.
الدرس الأول هنا ألا نخجل أبداً من طلب المساعدة عندما نحتاجها، وأقول ذلك دائماً لأفراد عائلتي وأصدقائي ممن يرغبون ببدء مشروع، فعندما نستثمر في مشروع يصبح كل يوم محسوب عليك، إذ يراكم التأخير النفقات. وكما يقولون: "الوقت هو المال".
أستطيع أن أقول أن الدرس الثاني المهم هو الإصرار والالتزام بتحقيق الهدف، فلا تسمح لأي أحد أن يحبط من عزيمتك. من الأمثلة على ذلك، موقف حصل مع ابنتي التي أرادت أن تأسس مشروعاً وأخبرتني بفكرته، كما قامت بالتخطيط لعلامتها التجارية، إلا أن إحدى صديقاتها أخبرتها أن مشروعها لن ينجح، وعندما نقلت لي ما قالته صديقتها، سألتها: "هل جربتي حتى؟"، فتشجعت وأكملت العمل على علامتها التجارية وأطلقت مشروعها الذي يسير اليوم على نحوٍ رائع.
لنفترض أنك ستبدأين لتوك الخوض في مجال ريادة الأعمال، ما المجال ونموذج العمل الذي سيكون محط اهتمامك وتركيزك؟
أولاً: سأستثمر أكثر في المشاريع القائمة حالياً بدلاً من تأسيس مشروع جديد كليا. إذ ينبغي أن تكون متأكداً من إمكاناته وجدوى المشروع والفرص الواعدة للقطاع الذي ستعمل به وأن تجد الشركاء الملائمين حتى تتخذ قرارات استثمارية سليمة. قمت مؤخراً بالاستثمار في شركة لوجيستيات التي كنت على ثقة بواعديتها ونجاحها ضمن قطاع سريع النمو، مع أني لست خبيرة باللوجستيات، لكني على دراية بمقاييس تقييم فرص الاستثمار الجيدة، وقد أدركت أن تلك كانت واحدة منها.
ثانياً: ينبغي عليك عند بدء مشروعك اختيار قطاع أو مجال تتمتع بمعرفة واسعة فيه. إذ سيصعب عليك إدارة مشروع ضمن مجال لا تعرف عنه الكثير. أضف إلى ذلك أن شغفك بمجال أو قطاع معين سيزيد من رغبتك في تعلم المزيد والنجاح فيه.
أين تكمن برأيك فرص الأعمال الكبيرة في دولة الإمارات وفي أبوظبي على وجه الخصوص؟
ليس هناك وقت محدد لظهور الفرص، ما يهم هو طريقة البحث عن الفرص واغتنامها ويختلف ذلك من قطاع إلى الآخر. وبصفتي مستثمرة، فإني أنتهز الفرص عندما أراها سواء في إمارة أبوظبي أو أي إمارة أخرى.
طرأ على منطقة الشرق الأوسط خلال الـ20 عام الماضية تغييرات كبيرة. في رأيك ما هي أبرز العقبات التي لازلت تواجه رائدات الأعمال الإناث في المنطقة؟ وكيف يمكن تجاوزها؟ وكيف لنا أن نمكن رائدات الأعمال من إيجاد فرص جديدة ونعزز نمو أعمالهن في إمارة أبوظبي وفي دولة الإمارات وإلى أبعد من ذلك؟
يعود الفضل إلى "أم الإمارات "سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية ومبادراتها في تعزيز تمكين المرأة عموماً ورائدات الأعمال خصوصاً على نحو كبير منذ أربعين عام حتى الآن. وقد اتسع نطاق دعمها للسيدات ليشمل توفير التعليم المتخصص لهن والعمل على تمكينهن من تولي مناصب قيادية في جميع القطاعات.
يوجد في كل إمارة مجلس لسيدات الأعمال اللواتي يدعمن بعضهن من خلاله، وتتوفر رخصة تجارية خاصة للسيدات تمكنهن من إنشاء مشاريعهن التجارية من المنازل، حيث أدركنا قبل بضعة أعوام عدم توفر الدعم المادي الكافي لتنمية مشروع تجاري لدى بعض السيدات، أو أنهن يفضلن تأسيس مشاريعهن وإدارتها من المنزل، فتصدر لهن الرخص التجارية ضمن فئات أعمال محددة لتمكنهن من تقديم خدماتهن من منازلهن. ولا يقتصر الأمر على ذلك، إذ نسعى إلى دعم صاحبات المشاريع في تطوير مجموعة من المهارات التي من شأنها تعزيز نمو مشاريعهن وإتاحة وصولها لمحال البيع بالتجزئة والأسواق التجارية.
لإجابة الجزء الثاني من سؤالك، يواجه أصحاب المشاريع من رجال وسيدات على حد سواء التحديات ذاتها. إذ تتبنى دولة الإمارات مبدأ المساواة بين الجنسين. أنا شخصياً لم أشعر يوماً بالتمييز ضدي كسيدة صاحبة مشروع. قد تحتاج رائدات الأعمال السيدات إلى دعم مادي، ولكن بشكل عام تقدم لهن الجهات الحكومية والشبه حكومية ومؤسسات القطاع الخاص دعماً واسع النطاق.
أخيراً، كيف تعزيزن مفهوم ريادة الأعمال لدى الشباب والسيدات اليوم، من طلاب الثانوي، والجامعة، إلى الشباب أصحاب المهن والأفراد الذين يتطلعون إلى تغيير مهنهم ليصبحوا رواد أعمال بدوام كامل؟
بداية، نحفزهم عن طريق ابتكار وإطلاق برامج ريادية قوية التي تشكل نقطة انطلاق فارقة للتحول السريع نحو مجال ريادة الأعمال، ومن البرامج التي نقدمها هنا في صندوق خليفة اليوم برنامج "الرئيس التنفيذي"، الذي يدعم الموظفين في القطاع الخاص في بدء أعمالهم الخاصة. كما نحاول العمل على وضع سياسة لدعم المبادرات المماثلة على مستوى حكومي، وترسيخ الشغف الريادي في الأفراد، ليدفعهم إلى بدء مشاريعهم الخاصة والعمل لحسابهم الخاص.
يعد "فينشوريست" أيضاً من البرامج التي أطلقها صندوق خليفة، والتي تركز على تطوير عقلية ريادية لدى الشباب، فبالعادة لا يفكر حديثي التخرج ببدء مشروعهم الخاص. إلا أن فينشوريست يمكن الشباب من التعرف على عالم الأعمال بعمر صغير، الأمر الذي يعزز لديهم عقلية ريادة الأعمال، ويزيد ثقتهم بأنفسهم، كما يمدهم بالمهارات اللازمة في مساعيهم الريادية.
أود أن أذكر أيضاً برنامج "شي مينز بزنس" وهو من البرامج التعليمية التي أطلقها صندوق خليفة بالتعاون مع فيسبوك. يهدف البرنامج إلى تعزيز دور المرأة التقني، ففي دورته الثالثة، تلقت 1300 رائدة أعمال برنامج تدريبي لتطوير مهارات من شأنها دعم الجوانب التسويقية والتجارة الإلكترونية لأعمالهن.
تعزز كل هذه البرامج خلق بيئة ريادة أعمال، وتحفز مساعي رواد الأعمال الريادية وخاصة السيدات منهم، لتصبح نموذجاً يحتذى به.