وتطرح اللغة العربية معضلة: فرغم جمالها وثرائها التاريخي، إلا أنها مقاومة للتغيير. وبينما كانت اللغة العربية في العصور الوسطى لغة العلوم والثقافة والمعرفة، فإن التقدم التكنولوجي والعلمي اليوم يتم دعمه في الغالب بلغات أخرى.
وتنتقل خيبة الأمل هذه إلى الممارسات اليومية. فوفقًا لاحصائيات عالم الانترنت، شكّل المحتوى العربي 5.2% فقط من جملة محتوى الإنترنت في عام 2021، في حين تعد وسائل التواصل الاجتماعي مساحة يتبنى فيها المستخدمون بشكل متكرر نسخة هجينة من اللغة. وإن حقيقة أن اللغة العربية مزدوجة اللسان (اللهجة)، والذي يعني أن هناك شكلًا كلاسيكيًا مكتوبًا لها وشكلًا آخر منطوقًا، كلغتين تقريبًا – لا يساعد في الأمر .
وبطبيعة الحال، تبذل بعض الحكومات، وخاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة، جهودا هادفة لتعزيز اللغة العربية وتشجيع استخدامها من قبل الأجيال الشابة؛ ولكن في منطقة الشرق الأوسط عمومًا، فإن قضية تراجع المعرفة بالقراءة والكتابة باللغة العربية متفشية. فوفقًا لبحث أجراه البنك الدولي في عام 2021، فإن 59% من الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غير قادرين على قراءة وفهم الجملة المناسبة لعمرهم في لغتهم الأم في سن العاشرة.
تعليم اللغة العربية في القرن الحادي والعشرين
تكافح عملية تعليم اللغة العربية وتعلمها على وجه الخصوص، من أجل مواكبة التطور التكنولوجي. كما أن محاولات إصلاح المناهج القديمة واصلاح الطريقة التي يتم بها تدريسها لإشراك الطلاب بشكل أفضل، قد قوبلت منذ فترة طويلة بالمعارضة خوفًا من التسبب بتدهورها. ونتيجة لذلك، أصبحت اللغة العربية في كثير من الأحيان موضوعًا يفشل الطلاب في الانخراط فيه حقًا.
ولمواجهة هذا التحدي الحاسم الذي له آثار بعيدة المدى على ثقافة المنطقة وهويتها، قام مدرسان لبنانيان تحولا إلى رواد أعمال بإنشاء كم كلمة في عام 2015، مما يدل على أنه مع وجود الدافع الصحيح والعقلية الصحيحة، يمكن للمشاكل الثقافية الصعبة أن تجد حلولا فعالة لها بفضل التكنولوجيا أيضا.
وفي ذلك الوقت، كان مسارا سيرون شاميجيان ونسرين المكوك قد التقيا بالفعل في عالم التعليم اللبناني الصغير. ويتمتع شاميجيان بخبرة جيدة في مجال التكنولوجيا، حيث طُلب منه تولي التحول الرقمي على مستوى المدرسة ودعم المعلمين في كل مادة، باستثناء اللغة العربية. وتوضح المكوك ذلك بالقول: "لم تكن هناك أدوات لدمج التكنولوجيا في الفصل الدراسي حتى تتمكن من التدريس والتعلم بشكل أكثر تفاعلية".
لم يكن أي منهما مدرسًا للغة العربية، ولكن لم يتمكن أي منهما أيضا من التخلص من الشعور بضرورة القيام بذلك. فلماذا لا يفعلون ذلك بأنفسهم، بدلاً من انتظار أن يأتي شخص ما ويحل "مشكلة اللغة العربية"؟
والحل؟ يكمن ذلك في توفر بيئة رقمية جديدة و برامج سحابية من شأنها تحديث وإثراء طريقة تدريس اللغة العربية في المدارس، ودعم المعلمين من خلال هذا التحول. وقد بدأ الثنائي العمل انطلاقًا من اقتناعهما الراسخ بأن تحسين التعلم يقع في قلب تكنولوجيا التعليم.
ولقد قاموا ، أولاً ، بالتواصل مع المعلمين والطلاب لفهم الصعوبات التي يواجهونها بشكل أفضل. "عندما يتعلق الأمر باللغة العربية، فإن إحدى القضايا الرئيسية هي أزمة ذات أهمية. فقد قال لنا أحد الطلاب، الذي تفوق في كل شيء باستثناء اللغة العربية: "لم أولد في القرن الخامس عشر. وأعتقد أن هذا يوضح كل شيء"، موضحًا أنه "لا يمكنك فصل اللغة عن المحتوى الذي تحمله. فلن يتحمس أحد لتعلم قواعد اللغة ، حيث يجب أن يكون الهدف أن تكون قادرًا على فهم الأشياء والتعبير عن نفسك، سواء شفهيًا أو كتابيًا. إنه تحول نموذجي".
خلق بيئة تعليمية جديدة تمامًا
كان على الفريق أن يفكر في طرق لإيجاد التوازن بين اللغة العربية الفصحى واللغة العربية المنطوقة، للتغلب على الخوف العميق لدى العديد من المتحدثين باللغة العربية من ضعف الأداء في اللغة العربية الفصحى، والمستويات المتنوعة من المهارات المعرفية لدى الطلاب.
ومع هذا المستوى العالي، لم تكن كم كلمة رهانًا آمنًا، لكن شاميجيان والمكوك لم يرتدعوا. "إذا نظرت إلى حلول تكنولوجيا التعليم المماثلة بلغات أخرى، فغالبًا ما تكون إحدى ميزاتنا هي اننا شركة ناشئة. لكننا كنا نعلم أننا لا نستطيع أن نفعل أي شيء ما لم تتوفر جميع المكونات الأساسية". هكذا قالت المكوك.
أولاً: كانوا بحاجة إلى إنشاء مكتبة للمحتوى الرقمي تتكيف مع مختلف مستويات القراء دون اهمال جودتها من أجل الحفاظ على اهتمام الطلاب؛ وكان لا بد أيضًا من مواءمة هذا المحتوى مع المناهج الوطنية المختلفة التي من شأنها تعظيمه وإثرائه. ولذلك، قاموا بتشكيل فريق من خبراء اللغة والمعالجين والمحامين والصحفيين والمعلمين والأشخاص من جميع مناحي الحياة المتحمسين للكتابة. كما قاموا أيضًا بتجميع محتوى من العالم الحقيقي ، مثل قوائم الطعام، والبرامج الإذاعية، والبرامج التلفزيونية، لسد فجوة الملاءمة.
ثانيًا: كانوا بحاجة إلى ابتكار التكنولوجيا من الصفر، "لأن الإنترنت لم يتم تصميمه من اليمين إلى اليسار"، كما تقول المكوك. وهذا يعني تطوير أشياء باللغة العربية يعتبرها الكثيرون أمرا مفروغا منه في لغات أخرى: مدققات الاملاء، وكاشفات الانتحال، وما إلى ذلك، بالإضافة إلى منصة تتمتع بقدرة فريدة على معالجة الكتابة العربية بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي وروبوتات الدردشة، بما في ذلك كاشف للنبرات (اللهجات).
وأخيرًا ، كانوا بحاجة إلى إنشاء حل للدعم الخاص بهم. حيث لم يكن المقصود من كم كلمة أبدًا أن تحل محل المعلمين أو أن تكون أداة للتعلم الذاتي. «إن دور المعلم ليس نشر المعرفة، بل تعليم الأطفال كيفية التفكير، وكيفية التعامل مع هذه المعرفة. ولكن للقيام بذلك، فانهم (أي المعلمين) يحتاجون إلى بناء معرفتهم الرقمية. فلقد تأخرت التكنولوجيا في دخول النظام التعليمي، كما أن معلمي اللغة العربية في وضع غير مؤاتٍ أكثر من ذلك. والآن، أصبح لدى كم كلمة برنامج مهارات المعلم بالإضافة إلى فريق دعم يرشد المعلمين خطوة بخطوة.
وتقول المكوك في ذلك: "إن فهم حقيقة أن التغيير يستغرق وقتًا هو أمر يجب أن نذكر أنفسنا به بشكل واع ، خاصة في عالم ريادة الأعمال"، لكن التغيير يحدث مع تبني المعلمين بشكل متزايد لهذا النهج الجديد وتعلم الطلاب حب لغتهم الأم في ما يقرب من 100 مدرسة من المدارس في لبنان والإمارات العربية المتحدة وسبع دول أخرى في الخليج وخارجه، بما في ذلك الصين والسويد. ويجري الفريق حاليًا محادثات مع إحدى وزارات دول مجلس التعاون الخليجي لنشر هذا النهج على المستوى الوطني في المدارس العامة.
إن شاميجيان والمكوك فخوران بالـــــــ"كم كلمة". ومع وصول معدل البقاء (القدرة على الاحتفاظ بالطلاب) في المدرسة إلى 85% بعد ست سنوات، فان لهم كل الحق في ذلك.