وعلى الرغم من موجة التباطؤ، فإن تقديرات معهد المحاسبين القانونيين ICAEW لدول مجلس التعاون الخليجي أعلى قليلاً من التوسع بنسبة 7.1% في 2022 وبنسبة 2.5% في 2023، والتي كشفت عنها قبل ثلاثة أشهر. ويُعزى ذلك إلى النمو القوي نهاية العام الماضي، لا سيما في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. وكشفت بيانات جديدة نُشرت مؤخراً أن اقتصاد المملكة نما بنسبة 8.7% العام الماضي، مما يجعلها واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم.
وبحسب تقرير الربع الأول، سيصبح التباطؤ في دول مجلس التعاون الخليجي أكثر وضوحاً، متأثراً بشكل رئيسي بتخفيضات إنتاج النفط وتشديد السياسة. وتُظهر أحدث مؤشرات مدراء المشتريات أن دول مجلس التعاون الخليجي دخلت العام 2023 بزخم قوي، مدعومة بالمستوى الكبير من الطلب والمعنويات الإيجابية، حتى مع تباطؤ النمو العالمي الذي انعكس على طلبات التصدير.
سكوت ليفرمور، المستشار الاقتصادي لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW وكبير الخبراء الاقتصاديين والمدير العام في أكسفورد إيكونوميكس الشرق الأوسط
"وفي الوقت نفسه، فإن سياسات دولة الإمارات العربية المتحدة الداعمة للتوسع في القطاعات الرئيسية، كما في رؤية ’نحن الإمارات 2031‘، ستؤدي إلى دفع عجلة النمو"
تقرير الربع الأول النقاط الرئيسية
وتم كذلك تخفيض تقديرات معهد المحاسبين القانونيين ICAEW للأسعار، مع توقع أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 85 دولار أميركي للبرميل هذا العام، مقابل 92.1 دولار أميركي للبرميل قبل ثلاثة أشهر. وتأثرت أيضاً أسعار النفط الخام نتيجة القوة المستمرة للدولار، والمخاوف بشأن توقعات الطلب العالمي، مع أن إعادة فتح أسواق الصين بصورة مفاجئة بعد فترات الإغلاق المؤقت بسبب الجائحة قد خففت قليلاً من ضغوطات التراجع.
والتزمت دول أوبك بأهداف الإنتاج المتفق عليها في شهر نوفمبر، وإذا لم يتم التشديد بشكل كبير في أسواق النفط، يتوقع معهد المحاسبين القانونيين ICAEW أن يتم الإبقاء على الحصص في الاجتماع المقبل للمجموعة خلال شهر أبريل، وما بعده على الأرجح.
وتضغط سياسة أوبك مرة أخرى على نمو إنتاج الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي، والذي من المتوقع أن يتباطأ إلى 0.5% تحديداً في 2023. وكان قطاع النفط بمثابة المحرك الرئيسي للأداء الاستثنائي لإجمالي الناتج المحلي العام الماضي، حيث ارتفع بنسبة 11%، بقيادة مكاسب الإنتاج في أكبر منتجي دول مجلس التعاون الخليجي.
وستبقى صناعة السفر والسياحة داعمة للنشاط غير النفطي. ومن المتوقع أن يستمر التعافي في الرحلات القادمة هذا العام، حيث تستثمر البلدان في فرص تنمية السياحة. ومع ذلك، من غير المحتمل حدوث انتعاش كامل إلى مستويات 2019 حتى عام 2024، خاصة وأن الدولار القوي جعل المنطقة أكثر تكلفة بالنسبة إلى الزوار.
ووجد معهد المحاسبين القانونيين ICAEW أنه من المتوقع أن يوفر الإنفاق في الميزانية دعماً هاماً للقطاعات غير النفطية هذا العام. ونظراً لاعتماد موازنات دول المنطقة على عائدات النفط والغاز، فقد تحسنت أوضاعها المالية بشكل كبير في 2022. وقد تعاملت الحكومات مع مكاسب الطاقة غير المتوقعة بحذر، حيث استخدمتها لتجديد الاحتياطيات وسداد الديون، مع زيادة محدودة فقط في الإنفاق.
هنادي خليفة، مديرة مكتب الشرق الأوسط لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW
وتقول هنادي خليفة، مديرة مكتب الشرق الأوسط لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW: "إن الاستمرار في زيادة الاستثمار في القطاعات غير النفطية لن يساعد فقط دول مجلس التعاون الخليجي على التكيّف والاستجابة للمتغيرات بمرونة هذا العام، بل سيكون أمراً حيوياً في تحقيق التعهدات الصفرية الصافية التي تعتبر بالنسبة لكثير من الحكومات في صميم رؤاها الاقتصادية".
وعلى الرغم من انخفاض أسعار السلع الأساسية في الأشهر الأخيرة، إلا أنها لا تزال أعلى من مستويات أسعار التعادل في معظم الدول، مما يسمح لمعظم الحكومات بتحقيق إيرادات كافية للحفاظ على فائض في الميزانية. ومن المتوقع تسجيل فائض بنحو 5% من إجمالي الناتج المحلي لمنطقة مجلس التعاون الخليجي ككل، على غرار العام 2022.
وسيظل الانتقال إلى مرحلة الانبعاثات الصفرية موضوعاً رئيسياً للتنويع في العام 2023، حيث تستعد الإمارات لاستضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28. وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة هي الأولى في المنطقة التي وضعت خططها الخضراء، حيث خصّصت 163 مليار دولار أميركي من الاستثمارات لتصل إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول 2050. وتبعتها المملكة العربية السعودية بمبادرتها الخضراء بقيمة 190 مليار دولار أميركي، مع الإعلان عن 10 مشاريع للطاقة النظيفة في ميزانية 2023.
من جانبه، قال سكوت ليفرمور، المستشار الاقتصادي لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW وكبير الخبراء الاقتصاديين والمدير العام في أكسفورد إيكونوميكس الشرق الأوسط: "مع استنفاد مكاسب قطاع النفط، يقود النشاط غير النفطي مرة أخرى انتعاش دول مجلس التعاون الخليجي. وتبدو الصورة التي رسمها أحدث مؤشرات مدراء المشتريات إيجابية، مدعومة بمعنويات قوية واحتواء لضغوطات الأسعار. ونحن متفائلون بشكل خاص بشأن المملكة العربية السعودية، حيث تدعم استراتيجية الاستثمار الوطني توقعات النمو والاستثمار، وتشير مؤشرات الإنفاق الاستهلاكي إلى التعافي القوي المستمر".
ويظل التضخم العنيد على غير المتوقع يمثل خطراً رئيسياً على النشاط غير النفطي. ويتجه متوسط معدلات التضخم إلى الانخفاض بشكل عام، وسط انخفاض أسعار السلع العالمية، ولكن هناك العديد من العوامل المؤثرة والخاصة بكل بلد، بما في ذلك تغير اتجاهات التضخم في قطر بعد كأس العالم، وقاعدة الانطلاق العالية من مضاعفة معدلات ضريبة القيمة المضافة في البحرين.
وعلى النقيض من ذلك، ارتفع التضخم في المملكة العربية السعودية، مدفوعاً بتضخم الإيجارات. ومن المتوقع أن ينحسر التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 2.4% هذا العام، من 3.4% في 2022، لكن ضغوط الأسعار المحلية الثابتة، لا سيما من قطاع الإسكان، ستحد من وتيرة التراجع.
وفي الوقت نفسه، سوف تتطلب المرونة الاقتصادية في الولايات المتحدة المزيد من رفع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، ومن المتوقع أن يتبعه معظم البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي، حتى مع تخفيف الضغوط التضخمية الإقليمية. وستستمر آثار التشديد الصارم للسياسة على مدى الاثني عشر شهراً الماضية في شق طريقها وصولاً إلى النشاط الاقتصادي، مما يدعم وجهة النظر بشأن تباطؤ نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي لدول مجلس التعاون الخليجي إلى 4% هذا العام، من 5.7% في 2022.