تعيش منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انتعاشة بالنمو حاليًا. وتعد المشاريع الاستثمارية الضخمة، وأسعار الطاقة المرتفعة، والمسؤولية المالية المتعاظمة، وتحسن التركيبة السكانية من بين الدوافع المهمة لهذه الانتعاشة. ومن بين العوامل الإضافية الأخرى التي يستفيد منها مستثمرو الأسهم الثقل المتزايد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤشرات الأسهم للأسواق الناشئة.
وقد انخفضت تقييمات الأسهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تقاس بنسب السعر إلى الإيرادات، من ذروتها في مارس 2022، وهي حاليا أقل من متوسطها للعشر سنوات الماضية (والبالغ 13.5 ضعف)، ومن المتوقع أن يزداد نمو الإيرادات في المنطقة بمقدار يبلغ حوالي أربع إلى ست نقاط في عام 2023، مدفوعًا بزيادة الاستثمار والاستهلاك.
حيث أدت هذه التوليفة من التقييمات المنخفضة وإمكانات نمو الإيرادات إلى قيام فريق بحثنا الميداني بالكشف عن فرص الاستثمار الخاصة بالشركات في القطاعات التي لم تتوافق حتى الآن مع معايير الاستثمار لدينا.
مشاريع استثمارية ضخمة
توجد لدى مجلس التعاون الخليجي خطط إنفاق كبيرة ، خاصة في المملكة العربية السعودية، والتي تمثل أكبر اقتصاد في المنطقة. وكجزء من خطة التحول الاقتصادي لرؤية 2030، فقد أعلنت الحكومة عزمها على استثمار أكثر من 2 تريليون دولار أمريكي في الاقتصاد المحلي من الآن وحتى نهاية هذا العقد.
وقد كانت المشاريع الضخمة حجر الزاوية في عملية الإصلاح الجارية في المنطقة والتي تمتد لعدة سنوات، حيث دفعت ضرورات تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، وجذب رؤوس الأموال والمواهب، وخلق فرص العمل للشباب، زخمًا مستدامًا للمشاريع، على الرغم من أن الاتجاهات المحلية والعالمية غير مواتية لهذا.
ويعكس التقدم المطرد في المشاريع الضخمة على الرغم من التقلبات في أسعار النفط ووباء كوفيد 19 الالتزام من قبل الحكومة على المدى الطويل. فمن خلال تفويض صندوق الثروة السيادية للبلاد باعتباره الراعي المستقل لهذه المشاريع بميزانيته العمومية الخاصة، فقد سعت الحكومة بالتالي إلى الفصل بين نتائج ومردودات تلك المشاريع من جهة والتقلبات في وضعها المالي، وبالتالي أسعار النفط، من جهة أخرى حيث يعد ذلك خروجًا رئيسيًا عما كان معمولًا به في الماضي عندما كان الإنفاق الحكومي مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بأسعار النفط.
وتهدف أجندة 2033 الاقتصادية في دبي إلى مضاعفة حجم الاقتصاد ووضع المدينة بين أكبر ثلاث مدن اقتصاديًا في العالم، حيث ستركز دبي على التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي المباشر واستثمارات القطاع الخاص والإنفاق الحكومي لتحقيق أهدافها حتى عام 2033.
وفي مجال الطاقة، تخطط قطر لزيادة طاقتها من الغاز الطبيعي المسال إلى 110 مليون طن سنويًا بحلول عام 2026، حيث تقوم قطر بتزويد ألمانيا بالغاز الطبيعي المسال بموجب اتفاق توريد طويل الأجل يعكس جهود ألمانيا للتخلص من الاعتماد على الغاز الروسي.
توقعات أسعار الطاقة
ما زلنا متفائلين بشأن توقعات أسعار الطاقة على المدى المتوسط. ومن وجهة نظرنا، فيبدو أن توازن المخاطر على أسعار النفط في عام 2023 في اتجاه صعودي ومتفائل، وذلك بالنظر لإعادة فتح الصين، والانتعاش المستمر في حركة السفر العالمي، والحظر/سقف السعر المفروض على النفط الروسي من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
مسؤولية مالية أكبر
من المتوقع أن تشهد الدول الأربع الرئيسية في مجلس التعاون الخليجي (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت) فوائض مضاعفة في كل من حساباتها المالية السنوية والجارية، بسبب ارتفاع أسعار النفط.
ولم تُترجم الفوائض المالية خلال عام 2022 إلى إنفاق حكومي مفرط، وهو ما كان نهجًا سياسيًا مشتركًا لدول مجلس التعاون الخليجي وقت حدوث الفائض فيما مضى. لكن هذه المرة، فقد تصرفت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي بحكمة وركزت على أجنداتها الاقتصادية طويلة الأجل بدلًا من تقديم حوافز قصيرة الأجل، محولة فوائض الأموال إلى صناديق الثروة السيادية للدول.
تحسين التركيبة السكانية
في عالم يتصارع مع تحديات انخفاض معدلات المواليد وزيادة نسب الإعالة، تتحرك التركيبة السكانية لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة المملكة العربية السعودية، في الاتجاه المعاكس. حيث يعد ارتفاع معدلات المواليد، وانخفاض نسب الإعالة، والإصلاحات الاجتماعية بمثابة توليفات قوية لديها القدرة على رفع معدلات النمو المحتملة لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي.
وتعيش المملكة العربية السعودية وضعًا ديموغرافيًا مثاليًا بالوقت الحالي، حيث تتمتع تركيبة السكان بمعدلات مرتفعة ومستقرة نسبيًا للمواليد، ومعدلات منخفضة ومستقرة للوفيات. وإن النمو المتوقع في المملكة العربية السعودية بالنسبة للسكان النشطين اقتصاديًا الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 64 عامًا هو من بين الأسرع في الأسواق الناشئة: 19.6٪ بين 2019-2039 (حيث لا يسبقها إلا الفلبين فقط بمعدل نمو يبلغ 43٪). ومن وجهة نظرنا، فإن التركيبة السكانية الجيدة في السعودية من جهة، بالإضافة إلى ارتفاع نصيب الفرد من الدخل (28000 دولار أمريكي في سنويًا) والاستقرار السياسي، توفر رياحًا خلفية داعمة للاستهلاك، وبالتالي النمو الاقتصادي.
زيادة أهمية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
لقد ازدادت أهمية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤشر MSCI للأسواق الناشئة من 1.6٪ في عام 2016 إلى 7.7٪ اعتبارًا من عام 2022.7، حيث أدى تنفيذ العديد من الإصلاحات المستندة إلى السوق في السنوات الأخيرة إلى هذه الزيادة. ويشمل ذلك الاكتتابات العامة الأولية والخصخصة وزيادة حدود الملكية الأجنبية. وتمثل المملكة العربية السعودية أكبر سوق منفردة، بوزن 4.1٪ في المؤشر، ومن المرجح أن يرتفع هذا الرقم.
محصلة إيجابية
باختصار، فإننا نرى توقعات إيجابية لأسواق الأسهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2023. والمنطقة ليست بمنأى عن المخاطر بالطبع، حيث ينبغي أخذ تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على النمو بعين الاعتبار، وبالتالي تأثيره على الطلب على الطاقة، فضلًا عن تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن العلاقة بين أسعار النفط والتوقعات الاقتصادية والسوقية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتضاءل بشكل مطرد بفضل التنويع الاقتصادي والاعتماد الأكبر على صناديق الثروة السيادية لتمويل الاستثمار في المنطقة.
ما هي المخاطر؟
إن جميع الاستثمارات تنطوي على مخاطر، بما في ذلك الخسارة المحتملة لرأس المال. حيث يمكن أن تنخفض قيمة الاستثمارات أو ترتفع، وقد لا يستعيد المستثمرون المبالغ المستثمرة بالكامل، حيث تتقلب أسعار الأسهم في بعض الأحيان بسرعة وبشكل كبير، بسبب العوامل التي تؤثر على شركات الأفراد، أو الصناعات أو القطاعات المحددة، أو ظروف السوق العامة.
إن الاستثمار في الأوراق المالية الأجنبية ينطوي على مخاطر خاصة، بما في ذلك تقلبات العملة وعدم الاستقرار الاقتصادي والتطورات السياسية. وتنطوي الاستثمارات في الأسواق الناشئة، والتي تعتبر الأسواق الجديدة ("الحدودية") فرعًا منها، على مخاطر متزايدة تتعلق بنفس العوامل، بالإضافة إلى تلك المرتبطة بالحجم الأصغر لهذه الأسواق، والدرجة الأقل من السيولة، وكذلك افتقارها إلى الأطر القانونية والسياسية والتجارية والاجتماعية الراسخة لدعم أسواق الأوراق المالية. ونظرًا لأن هذه الأطر عادة ما تكون أقل تطورًا في الأسواق الحدودية، فضلًا عن عوامل مختلفة أخرى بما في ذلك زيادة احتمالية التقلب الشديد في الأسعار وعدم توفر السيولة والحواجز التجارية وضوابط الصرف والمقايضة، فإن المخاطر المرتبطة بالأسواق الناشئة تتعاظم في الأسواق الحدودية. وأخيرًا فينبغي التنويه بأن أي استراتيجية تركز ما على بلدان أو مناطق أو صناعات أو قطاعات أو أنواع معينة من الاستثمار من وقت لآخر قد تكون أكثر عرضة للمخاطر من الاستراتيجيات التي تستثمر في مجموعة متنوعة من البلدان أو المناطق أو الصناعات أو القطاعات أو الاستثمارات.