ومن الجدير بالذكر قصة نشأة هذه الشركة: فعندما تم إبلاغ الأخوين يون بتشخيص والدهم بسرطان نادر في المعدة، باشر هذان الأستاذان في علم الجينوم، واللذان كانا يعملان بدوام جزئي في جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة، مهمة بحثية.
لقد فتح علم الجينوميات - المجال العلمي الذي يهتم بدراسة الجينات - آفاقًا جديدة في عام 2003 عندما ساهم مشروع الجينوم البشري، وهو مشروع دولي للبحث العلمي استغرق 13 عامًا بتكلفة 2.7 مليار دولار، في إنتاج تسلسل الجينوم الكامل الأول للإنسان .
اليوم ، بعد 19 عامًا من ذلك الإنجاز التاريخي، أصبحت عملية فك تسلسل الجينات للفرد لا تستغرق سوى بضع ساعات وجزء صغير من التكلفة الأصلية.
ونظرًا لسهولة الوصول إلى هذه التكنولوجيا مؤخرًا، والخبرة المتوفرة للأخوين يون، فقد توصل الاثنان إلى اكتشاف مذهل.
أبلغ ساجونغ يون منصة أبوظبي للأعمال: "لقد قمنا بتحليل الحمض النووي لوالدنا واكتشفنا أن السرطان الذي أصيب به كان متوقعًا وكان يمكن الوقاية منه".
الإخوة يون
لحسن طالع والد الأخوين يون أنه تمكن من اجتياز مرضه، ولكن فقط بعد أن خضع لعملية جراحية شديدة الصعوبة تم فيها استئصال ثلث معدته، حيث قال ساجونغ معلقًا على ذلك بأنه "كان من الممكن تجنب إجراء العملية لو كنا قد اكتشفنا السرطان في وقت أبكر بكثير".
ورغبة منه في إنقاذ العائلات الأخرى من المعاناة الجسدية والذهنية جراء التعامل مع الإصابة بهذا المرض الخبيث الغامض ومثله الكثير، شرع ساجونغ في إنشاء خدمة يمكنها تقديم الفرصة للأشخاص لفهم طبيعة أجسادهم والأمراض والحالات المزمنة التي هم عرضة لها قبل أن تصيبهم.
وبعد قيامه باستقطاب بعض زملائه من العلماء بجامعة "جون هوبكنز" للعمل بهذا المشروع، أمضى ساجونغ وفريقه أربع سنوات في تطوير حل آلي يمكن توسيع نطاقه ليشمل جمهورًا واسعًا.
وقد توج كل هذا بتأسيس شركة بريديكتيف الناشئة بمجال التكنولوجيا الصحية في عام 2021، حيث يعمل ساجونغ يون اليوم كمؤسس مشارك ومدير تنفيذي مشارك مع شريكته "مهي لاني أدورو"، وهي دكتورة في الطب بفرع منطقة الشرق الأوسط للشركة المذكورة.
ساجونج يون، مؤسس مشارك ورئيس تنفيذي مشارك لشركة بريديكتيف.
"الحمض النووي هو خريطة صحتنا"
قليلة ومحدودة هي الطرق التي تتبعها شركات الجينوم في العادة لجمع عينات الحمض النووي من مرضاها، مثل مسحات اللعاب أو عينات الدم، في حين أن الطريقة التي تتبعها بريديكتيف تتمثل ببساطة بإرسال عدة اختبار إلى عملائها وجعلهم يرجعونها بالبريد مرفقين قصاصات أظافرهم، حيث يقول ساجونغ يون عن هذه الطريقة بأنها "غير جراحية وسهلة من ناحيتي التجميع والنقل".
ثم تقوم شركة بريديكتيف بعد ذلك باستخراج معلومات الحمض النووي من العينة من خلال فك سلسلتها، ومن ثم تعيد بناء "الشفرة" لكافة جينات المريض. وقد أصبح كل ذلك ممكنًا بفضل الذكاء الاصطناعي والتقدم الكبير في تكنولوجيا الجينوم، حيث تدعى التقنية المحددة التي تستخدمها شركة بريديكتيف تقنية "تسلسل الجيل التالي"، وهي أسرع وأكثر دقة وأقل تكلفة بكثير من معظم تقنيات التسلسل الأخرى.
وبناءً على هذه المعلومات، تنشئ الشركة توأمًا جينيًا رقميًا للمريض، وبالإضافة إلى تاريخه الطبي، وتاريخ عائلته الطبي، والعادات النمطية لحياته، تصبح الشركة قادرة على تحديد ما إذا كان الفرد المعني عرضة لواحد أو أكثر من الأمراض أو الظروف الصحية وذلك من خلال قاعدة بيانات تضم أكثر من 22000 مرض محتمل، وما إذا كان من المرجح أن يعاني من مضاعفات لاستخدام بعض أنواع الأدوية من بين أكثر من 780 عقار دوائي.
ويتم نقل نتائج هذا التحليل إلى المريض من قبل مستشار وراثي يمكنه تقديم المشورة الطبية، بينما يتمتع المريض أيضًا بإمكانية الوصول إلى فريق إرشادي والذي يمكنه الإجابة عن أي استفسارات. وفضلًا عن ذلك، يتم تزويد المريض بإمكانية الوصول إلى لوحة أجهزة القياس الرقمية الخاصة بتوأمه الرقمي الذي تزوده بتفاصيل نتائج الاختبار الخاص به ويعمل كنقطة ارتكاز طبية شخصية يمكن له أو لطبيبه الرجوع إليها.
إذا كان لدى عائلة العميل - على سبيل المثال - تاريخ من ارتفاع نسبة الكوليسترول، فإن نتائج تحليل الحمض النووي لـبريديكتيف ستسمح لهذه الشركة الناشئة بالإبلاغ عما إذا كان من المحتمل أن يكون المريض عرضة لذلك أيضًا، مع تحديد الأدوية عالية الخطورة بالنظر للتكوين الجيني لجسمه. كما تتيح هذه المعلومات للطبيب تجنب وصف أدوية معينة أو خفض جرعتها إذا كان جسم المريض يتخلص منها بمعدل أبطأ.
السوق المتنامي لعلم الجينوم
يشهد مجال علم الجينوم اهتمامًا متزايدًا من المبتكرين والمستثمرين، نظرًا للتطورات في الذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية.
ومع ذلك، سعت شركة بريديكتيف إلى التميز عن المنافسة، نظرًا لنهجها في الجمع بين مقاربتي تسلسل الجيل التالي والمعلومات المجموعة مسبقًا عن المريض. وبالمقارنة بمعظم الشركات الأخرى في السوق، تقوم شركة بريديكتيف بإجراء المزيد من الخرائط التفصيلية لعدد أكبر من الجينات وإجراء الاختبارات للمزيد من الأمراض والحالات المزمنة. ولا يساوي سعر ذلك كله إلا جزءا بسيطًا من أسعار المنافسين، حيث يصل سعره إلى 799 دولارًا، وهو ما يعزوه ساجونج إلى استخدام شركته لعملية سلسلة مستقلة.
وخلال فترة وصول جائحة كورونا إلى ذروتها، تنافست شركة بريديكتيف في واحدة من مسابقات التكنولوجيا الصحية التي أقامتها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لبناء نموذج ذكاء اصطناعي يحدد ما إذا كان الفرد معرضًا لخطر كبير للإصابة بكوفيد 19 أم لا. حيث تم تغذية نموذج الذكاء الاصطناعي لكل مشارك بنسبة 80% من مجموعة بيانات المعلومات الصحية لمرضى كوفيد 19، ثم تم تكليف كل نموذج بالتنبؤ بنتائج الـ 20% المتبقية. وأخيرًا تم ترتيب الخوارزميات بناء على دقتها.
"لقد احتلينا المرتبة الـ 14 من مجموع 35 متنافس، لكن منافسينا كانوا: جوجل Google و Accenture و UCSF، وهي مؤسسات ضخمة، لذا كانت هذه النتيجة مثيرة للإعجاب". يقول ساجونج متذكرًا ومشيرًا إلى أن نموذج الذكاء الاصطناعي لشركته توقع المدة المحددة التي يمكن للمرضى أن يقضوها في المستشفى مع انحراف 0.4 يوم مقارنة بنتائج الخوارزميات لأفضل 10 متنافسين.
ومع ذلك، كما أشار ساجونج يون، فإن أحد الأشياء التي لم تأخذها المسابقة في الحسبان كانت البيانات الجينية، مما يعني أن أداء شركة يريديكتيف كان جيدًا جدًا في مجال الذكاء الاصطناعي بناء على البيانات الطبية وحدها، والتي ليست هي مجال تخصص هذه الشركة الناشئة بينما مجالها هو المعلومات الجينية.
الإبحار في المعلومات الخاطئة حول علم الجينوم
"مهي-لاني أدورو" الدكتورة في الطب بفرع الشرق الأوسط لشركة بريديكتيف
في حين أن مجال علم الجينوم كان يبدو وكأنه من بنات الخيال العلمي في أوائل التسعينيات، فإن مشروع الجينوم البشري والتطورات التكنولوجية الحديثة علمتنا خلاف ذلك.
ومع ذلك، فبسبب بعض الجهات السيئة العاملة في هذا المجال، كان هناك بعض الشك والإرتياب في هذه الصناعة.
"إن التحدي الأكبر الذي يواجهنا هو اعتقاد الناس أن هذا "(الوعد الذي تقدمه الشركات مثل شركتنا) مستحيل أن يكون حقيقيًا"، حيث علقت "مهي-لاني" متسائلة: "هل تتذكرون ثيرانوس؟".
كانت "ثيرانوس" شركة أمريكية مغمورة ناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية قدمت وعودًا فارغة حول إمكان إجراء مئات الفحوصات الطبية من قطرة دم واحدة. وفي النهاية، لم تسر الأمور بشكل جيد بالنسبة لها، وهو ما أدى إلى إثارة الكثير من الشكوك حول علم الجينوم.
ويمكن أن يبدو عرض شركة بريديكتيف للبعض مشابهاً لعرض شركة ثيرانوس: عينة لإظفر تستخدم لإنتاج سلسلة الحمض النووي بالكامل للمريض، ومن ثم يتم اختبار قابلية الإصابة من 22000 مرض والتأثر ب780 عقار دوائي.
"يبدو الأمر مشابهًا" تقول الدكتورة مهي-لاني.
وتواصل تعليقها: "لكن في حالة شركة بريديكتيف فإن تقنيتنا مختلفة وذلك لأن التقنيات المعتمدة من قبلها معززة بإجراءات علمية تم التحقق منها".
وتوضح دكتورة "مهي-لاني" بأن "ظفر الإصبع يتكون من بروتين يسمى الكيراتين، والذي يحتوي على رابطة ثاني الكبريتيد. فإذا تم كسر هذه الرابطة المزدوجة، يمكنك استخراج الحمض النووي منه ثم إجراء التحليل". أضف إلى ذلك حقيقة أن تقنية شركة بريديكتيف كانت قيد التطوير لعدة سنوات، ومن الواضح أنه على عكس شركة ثيرانوس، كان عرضها مبنيًا على علم حقيقي.
وبالإضافة إلى ذلك، حافظت شركة بريديكتيف على قواعد الشفافية والسلوكيات الأخلاقية من خلال منح عملائها التحكم الكامل في بياناتهم الجينية وترك الأمر لهم لتحديد من سيشاركونها معه.
التوسع إلى أبوظبي
بعد النجاح المشهود للشركة، وسعت بريديكتيف مؤخرًا عملياتها لتشمل الشرق الأوسط، وذلك بدعم من "Plug and Play Abu Dhabi"، والتي تمثل فرع الإمارات العربية المتحدة لواحدة من أكبر منصات دعم الشركات الناشئة في العالم. كما قبلت المنصة الداعمة الشركة الأمريكية الناشئة (بريديكتيف) ضمن برنامج "مسرع التكنولوجيا الصحية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، في إجراء هو الأول من نوعه في المنطقة.
وبعثورها على موطن جديد في Hub71 في أبوظبي، بعد أن كان أيضا قد تم قبولها في دفعة نصف السنة الثاني ل2021 للشركات الناشئة، فإن وقت شركة بريديكتيف هنا كان مثمرًا للغاية.
"شخصياً، تم الترحيب بنا وكأننا عائلة حقًا من قبل كل من: الدكتور لويزا وسيون ونيكيتا وباباك وفارس". كان هذا ما عبر به ساجونغ عن الدعم الذي تلقته شركته من فريق "Plug and Play Abu Dhabi"، والذي تضمن أيضًا الوصول إلى نطاق واسع من معارف الصناعة الخاصة بشركته والمستثمرين في مجالها.
كما سلط ساجونغ الضوء أيضًا على الدعم المقدم من دائرة الصحة بأبوظبي ومكتب أبوظبي للاستثمار، بالإضافة إلى التمويل الذي تلقته شركته من حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة.
واليوم لدى شركة بريديكتيف - من بين آخرين - مؤسسات شريكة لها في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية والهند وإنجلترا.
وقد جمعت الشركة ما مجموعه 1.15 مليون دولار في مرحلة التأسيس، مع جولة أخرى مخطط لها قدرها 3 ملايين دولار.