مع استمرار تزايد عدد سكان العالم، يواجه النموذج التقليدي للزراعة الصناعية تحديات بيئية عميقة. فلقد تركت عقود من الزراعة المكثفة علامات لا تمحى على الكوكب، اتسمت بالاعتماد المثير للقلق على المبيدات الحشرية، ونزوح الكائنات (حيوانات وطيور) من مواطنها الأصلية، وإهدار المياه، والانبعاثات الضارة. غير أن البديل المثير للاهتمام هو الزراعة تحت الماء، والتي تنطوي على القدرة على التخفيف من هذه المشكلات مع تعزيز الاستدامة.
وتقدم الأمم المتحدة اقتراحًا مثيرًا للاهتمام: ألا وهو تخصيص 2% فقط من مساحة محيطات العالم للزراعة المستدامة تحت الماء والذي من شأنه أن يلبي شهية كوكبنا المتزايدة. ويهدف هذا الميدان المزدهر إلى القضاء على الحاجة إلى المبيدات الحشرية، وتقليل استهلاك المياه، وخفض انبعاثات الكربون. هل يمكن للمحاصيل تحت الماء، بما في ذلك الفراولة وأعشاب أعماق البحار، أن تكون بديلًا أكثر صداقة للبيئة من الزراعة التقليدية المعتمدة على الأرض؟
إن الزراعة الصناعية التقليدية، التي كانت ذات يوم تعتبر علاجًا سحريًا للأمن الغذائي العالمي وسط النمو السكاني السريع، تجد نفسها اليوم تصارع الكثير من التحديات. فقد كانت الخسائر البيئية فادحة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الإفراط في استخدام المبيدات الحشرية، وتدمير مواطن الكائنات الحية، والإسراف في استهلاك المياه، وإطلاق الانبعاثات الضارة.
تبني الأعماق من أجل الزراعة المستدامة
واستجابة لهذه المخاوف الملحة، فقد قام العلماء ورجال الأعمال بتحويل اهتمامهم إلى الزراعة تحت الماء باعتباره حلًا محتملًا لهذه المشكلة. ويتضمن هذا النهج المبتكر زراعة المحاصيل تحت سطح المحيط، واعدين بتقليل الاعتماد على المبيدات الحشرية، وتقليل استخدام المياه، والحد من الانبعاثات الكربونية.
ومن اللافت للنظر أن الأمم المتحدة تفترض أن 2% فقط من مساحة محيطاتنا هي قادرة على إطعام سكان العالم بالكامل بشكل مستدام. ويؤكد هذا التأكيد الجريء على الإمكانات الهائلة للزراعة تحت الماء. وفي حين ازدهرت تربية الأحياء المائية منذ فترة طويلة في إنتاج المأكولات البحرية، فإن الشركات ذات التفكير التقدمي تستكشف الآن طرقًا لزراعة المحاصيل التقليدية تحت الماء، مثل الفراولة والأعشاب.
ويستخدم أحد المشاريع الرائدة، واسمه حديقة نيمو، ستة كبسولات بلاستيكية مملوءة بالهواء - أو أغلفة حيوية - مثبتة قبالة ساحل نولي بإيطاليا. وهذه الكبسولات العالقة (المثبتة) على أعماق تتراوح بين 4.5 إلى 11 مترًا، مزودة بأجهزة استشعار لرصد العوامل البيئية المختلفة. وباستخدام تقنيات الزراعة المائية، فقد نجحت حديقة نيمو في إنتاج مجموعة متنوعة من المحاصيل، من الطماطم والفاصوليا إلى بساتين الفاكهة ونباتات الصبار، حيث تمكن الزراعة المائية النباتات من النمو بدون تربة، وبدلًا من ذلك يتم استخدام محلولًا غنيًا بالمغذيات لتغذية جذورها في بيئة تحت السيطرة والرقابة.
إن إحدى المزايا البارزة للزراعة تحت الماء تتمثل في عدم وجود الآفات الحشرية داخل هذه البيئات المغلقة، مما يغني عن الحاجة إلى المبيدات. وبالإضافة إلى ذلك، تحافظ الغلافات الحيوية على المياه، حيث يتم تبخر مياه البحر ثم تكثفها لتوفير المياه العذبة للمحاصيل، في حين أن مصادر المياه الخارجية تكون ضرورية فقط خلال المراحل الأولى من نمو النبات.
وهناك مجهود آخر مشكور وجدير بالملاحظة ألا وهو منظمة GreenWave غير الربحية، ومقرها في أمريكا الشمالية. حيث أنهم رواد في مجال الزراعة العمودية تحت الماء، وهي تقنية تُعرف أيضًا باسم الزراعة المحيطية المتجددة. ويتضمن هذا النهج زراعة مجموعة متنوعة من الأعشاب البحرية، بما في ذلك عشب البحر، والمحار مثل: بلح البحر والاسكالوب على سقالات من الحبال مغمورة في البحر. والجدير بالذكر أن هذا النموذج لا يتطلب أي مدخلات خارجية مثل: الماء أو الأسمدة أو الأعلاف، بينما يساعد في الوقت نفسه في ترميم النظم البيئية البحرية. وعلاوة على ذلك، تمتص الأعشاب البحرية ثاني أكسيد الكربون من المحيط، مما يقلل من الحموضة ويعزز التنوع البيولوجي البحري.
ويتميز نظام الزراعة المتعددة الأنواع، الخاص بـ GreenWave، بإنتاجية عالية مع حد أدنى من البصمة الكربونية، مما يوفر خيارًا ممكنًا لأي شخص لديه إمكانية للوصول إلى 20 فدانًا، وقارب، واستثمار يتراوح ما بين 20,000 إلى 25,000 دولار لبدء مزرعته الخاصة تحت الماء.
إمكانات الأعشاب البحرية في الاستدامة
حصلت شركة Kelp Blue، ومقرها في ناميبيا، على تصريح بيئي للشروع في زراعة محاصيل الأعشاب البحرية تحت الماء ، حيث تخدم هذه المحاصيل أغراضًا متعددة، بدءًا من الأسمدة وحتى المنسوجات والأدوية. ويشتهر عشب البحر بنموه السريع وقدرته على توفير موائل للأنواع البحرية المتنوعة، بينما يعمل أيضًا كمخزن فعال للكربون. هدف الشركة هو التقاط ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون سنويًا بحلول عام 2050.
وتركز أيضًا شركة Sea6 Energy - والتي مقرها ولاية بانجالور بالهند - على الأعشاب البحرية، حيث تستخدم مركبة تشبه الجرار تسمى "SeaCombine" لزراعة وحصاد النباتات الاستوائية تحت الماء. ولا يعمل هذا المنتج كعامل تبلور في إنتاج الغذاء فحسب، بل يجد أيضًا تطبيقات له في الوقود الحيوي، والبلاستيك الحيوي، والزراعة، من بين صناعات وقطاعات تجارية أخرى.
لقد برزت الزراعة تحت الماء كوسيلة واعدة لمواجهة التحديات البيئية التي تفرضها ممارسات الزراعة التقليدية. ومع قدرتها على القضاء على المبيدات الحشرية، والتقليل من استخدام المياه، والحد من انبعاثات الكربون، فقد تكون الزراعة تحت الماء عنصرًا حيويًا في الزراعة المستدامة في المستقبل. وبينما نواجه التحديات المعقدة المتمثلة في إطعام عدد متزايد من سكان العالم، فإن أعماق محيطاتنا قد تحمل المفتاح إلى نهج أكثر استدامة وأكثر صداقة للبيئة لإنتاج الغذاء.