إنني أفهم سبب استمرار هذا الاعتقاد. حيث لا يوجد أي عائق من الاستخدام المباشر لهذه البرنامج، كما أن واجهته السهلة الاستخدام تتيح للأفراد الذين لديهم أي خلفية استكشاف إمكاناته. وليس ذلك فحسب، بل إن منصات وسائل التواصل الاجتماعي تعج بأمثلة وصور واضحة نشرها الناس عن استخداماته وقدراته، مما يعزز الانطباع السائد بأن إتقانه مهمة بسيطة، وأنه يمكن استخدامه مباشرة وخدمة نفسك بنفسك.
ولكن ينبغي للشركات أن لا تغتر بهذا الانطباع الخادع، حيث ما زلنا بحاجة لتعلم الكثير وذلك لحسن تسخير إمكانيات ChatGPT. وبقدر ما قد يبدو الأمر جذابًا، فإن الاستخدام الذاتي (غير الموجه) لهذه التكنولوجيا هي أمر في غاية الخطورة، بل وقد يتسبب في تبطئة عجلة الذكاء الاصطناعي بشركتك إلى الحد الأدنى، وإلى تخلف شركتك عن الركب (على الرغم من أنك كنت قد بدأت بداية مبكرة). بل والأسوأ من ذلك، فإن ارتكاب الأخطاء في إدماج الذكاء الاصطناعي قد يضر بشركتك وسمعتها.
وبالنظر لكل ما هو على المحك، فهل لديك الجرأة لتحمل كل هذه المخاطر؟ وهل ستسمح لها بالوقوف في طريق نجاح شركتك مع أنه يمكن تفاديها بسهولة؟ دعونا نتعمق أكثر في هذا الموضوع، وكيف أن الاستخدام الذاتي لبرنامج ChatGPT هو - على الرغم من سهولته الظاهرة - ليس طريقًا مفروشًا بالورد نحو محو أمية الذكاء الاصطناعي:
1- عملية تعلم غير فعالة وغير منظمة: فبدون منهج منظم أو إرشادات الخبراء، يتسبب الاستخدام الذاتي في تأخير تقدم الموظفين حيث يظلون عالقين لفترات طويلة في مرحلة التجربة والخطأ وذلك لتعلم مبادئ الـChatGPT، ما يؤدي إلى إهدار الوقت والجهد، حيث يعاني الموظفون لاكتشاف تقنيات فعالة للتعلم بأنفسهم. إذن فالتقدم سيكون بطيئًا وغير منظم بسبب غياب التوجيه.
2- عدم الانفتاح على أفضل الممارسات: يعوق الاستخدام الذاتي الموظفين ويمنعهم من الاستفادة بحق من أفضل الممارسات المثبتة والمستخلصة من خبرات واسعة. وبدلًا من ذلك، فإنها تقودهم خلال مسار محفوف بالمخاطر حيث يقومون بتبني تقنيات وحلول رديئة ودون المستوى لمشاكلهم، بل وقد يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية - ويحدث كل هذا عند غياب الدراية بالطرق الأكثر كفاءة وفعالية للاستفادة من الــChatGPT، ما يؤدي إلى تقييد شديد حتمي للإنتاجية.
3- الفهم الضيق والسطحي لحالات الاستخدام: يقود الاستخدام الذاتي الموظفين إلى تطوير فهم ضحل لكيفية تطبيق ChatGPT لحل مشاكل العالم الواقعي في قطاعاتهم، مما يجعلهم يتجاهلون حالات الاستخدام المخصصة والتي يمكن أن تدفع بعجلة الابتكار، كما أنهم لا يدركون التفاصيل الدقيقة اللازمة لتكييف الـChatGPT مع سياقهم المؤسساتي.
4- عدم الإحاطة بالمخاطر المحتملة: يترك الاستخدام الذاتي الموظفين دون توجيه وبالتالي فإنهم يكونون غافلين عن الآثار الأخلاقية ونقاط الضعف الأمنية والمسؤوليات القانونية والمخاطر الأخرى المرتبطة بسوء استخدام الــChatGPT أو سوء إدارته. إن هذا التغافل يعرض المؤسسة للعديد من المخاطر المحتملة.
5- محدودية قدرات اكتشاف الأخطاء وإصلاحها: يتسبب الاستخدام الذاتي في تعريض الموظفين لمشاكل تقنية حتمية مع الـChatGPT، مما يحبطهم ويجعلهم يبقون عالقين بدون مهارات منهجية أو موارد داعمة لحل المشكلات. إن عدم القدرة على تشخيص العقبات ومعالجتها بكفاءة يؤثر على استمرارية العمل.
6- العزلة تعيق التقدم: يعزل الاستخدام الذاتي الموظفين عن فوائد التعاون بين الأقران ومشاركة المعرفة والدعم الذي يمكن أن ينيرهم ويسرع من تعلمهم. ونتيجة لذلك، تصبح رحلة التعلم الفردي أطول وأكثر إحباطًا وغالبًا ما تنتهي قبل الأوان.
7- معارف قديمة وغير ذات صلة: إن الاستخدام الذاتي يجعل الموظفين غير قادرين على البقاء على اطلاع دائم، لا سيما في ظل التطورات السريعة والمستمرة بمجال الذكاء الصناعي. يؤدي هذا إلى تطبيق ممارسات قديمة بالية لـChatGPT وإغفال الابتكارات الحديثة والمعاصرة.
8- محتوى واحد يناسب الجميع: توفر الدراسة الذاتية موارد تعليمية غير مخصصة لاحتياجات المرء الصناعية والتنظيمية، مما يؤدي إلى محدودية أهميتها. ومن ثم يكافح الموظفون لسد الفجوة بين المعلومات العامة والتطبيقات العملية.
9- عدم اتساق كل من وتيرة العمل وتنمية المهارات أثناء الدراسة: تتيح الدراسة الذاتية للموظفين التحرك بسرعات مختلفة بناءً على أسلوب التعلم واحتياجاتهم. ونتيجة لذلك، يكون لديك أعضاء مختلفين في الفريق في مراحل مختلفة من رحلة الـ ChatGPT، مما يتسبب في تأخر البعض منهم وراء الركب وفي خلق فجوات معرفية محبطة للغاية فيما بينهم البين.
10-عدم وجود إرشادات الخبراء والتغذية الراجعة: تحرم الدراسة الذاتية الموظفين من الوصول إلى موجهين ذوي خبرة، مما يؤدي إلى الافتقار الى الدعم والى تصحيحات المسار اللازمة لتجنب الأخطاء. ونتيجة لذلك، تتشكل الافتراضات غير الصحيحة والعادات السيئة.
11- لا وجود لرؤية أثناء المضي في الدراسة: إن الدراسة الذاتية، بسبب افتقارها إلى تقييم رسمي للمهارات أو متابعة مراحل تقدمها، تترك الموظفين والإدارة غير قادرين على قياس مكاسب كفاءاتهم، ومعالجة المجالات الضعيفة والحفاظ على الحافز. وبالتالي، يصبح تحقيق الهدف عملية صعبة وغامضة.
ما الذي يعنيه كل هذا
في حقبة ما قبل الذكاء الاصطناعي، كانت التحولات بمجال المال والأعمال أقرب إلى التحولات التكتونية - بطيئة ومتدرجة. إلا أننا الآن نبحر على ظهر موجة تسونامي رقمية - حيث علينا جميعًا مواكبة هذه الموجة يومًا بيوم، وأولًا بأول. كل يوم يضيع بسبب التعلم غير الفعال أو الممارسات غير الفعالة هو ليس مجرد يوم ضائع، بل هو أقرب للشهر من حيث الخسارة - سيما في ظل هذا المشهد المتسارع.
وتحتاج الرحلة نحو محو أمية الذكاء الاصطناعي إلى توجيه من الخبراء، وتدريب منظم، وفهم عميق للتفاعل بين الجوانب الفنية والأخلاقية والتجارية للذكاء الاصطناعي، وحيث يعتبر الوقت والدقة، في مجال حيوي ومتحول باستمرار مثل الذكاء الاصطناعي، من الأمور الجوهرية. ولا تستطيع المنظمات تحمل رفاهية التخبط على غير هدى - فمن السذاجة الاستمرار بهذا الأسلوب على أمل التعثر والعثور بالحظ على كنز.
إن مسار الدراسة الذاتية، على الرغم من بساطته الظاهرة وملاءمته، مليء بالمزالق والسقطات التي قد تعيق التقدم والابتكار بل وتعرض شركتك لمخاطر غير ضرورية.
إن الاستكشاف على طريفة "اخدم نفسك بنفسك" قد يبدو أمرًا مغريًا للوهلة الأولى، إلا أن النجاح في عصر الذكاء الاصطناعي يتطلب أكثر من مجرد المعرفة البدائية وأسلوب التجربة والخطأ. حيث إنه يتطلب الثقة المبنية على التعلم القوي والإرشاد وقاعدة المعرفة المشتركة. ولا ينبغي أن يكون الطريق إلى محو أمية الذكاء الاصطناعي استكشافيًا فحسب، بل يجب أن يكون بالتمكين والتنوير والتحويل.