وعندما ضرب وباء كوفيد 19 العالم أوائل عام 2020، فقد قلب جميع الهياكل والمعايير التي كانت قائمة منذ عقود رأسًا على عقب: من كيفية تواصلنا وتحية بعضنا البعض، إلى بنية سلاسل التوريد، والى كيف وأين نعمل، وما الى ذلك. لقد كانت حقًا أشبه بعملية إيقاظ فظة، مما أجبرنا على التوقف والتشكيك في الأشياء التي كنا سابقًا نعتبرها من الأمور المفروغ منها.
وفي نطاق مكان العمل، تجلى هذا التأثير في كيفية عمل الموظفين ومكان عملهم. ففي حين أن معظم الشركات كانت مصرة تاريخيًا على موقفها من تواجد موظفيها داخل مكاتبهم، إلا أن عمليات الإغلاق التي فرضتها الحكومات لم تترك لهذه الشركات أي خيار، بل وكبلت أيديها حيث أصبحت مضطرة للرضوخ والامتثال إذا أرادت ضمان صحة المؤسسة وعملياتها.
وقد تسبب الوباء أيضًا فيما أصبح يعرف باسم "الاستقالة الكبرى". فكما يوحي المصطلح، بدأ الموظفون في ترك وظائفهم بشكل جماعي. حيث منح الإرجاء غير الطوعي الذي وفرته عمليات الإغلاق للناس استراحة كانوا في أمس الحاجة إليها من "سباق الفئران" اليومي من الساعة التاسعة للخامسة، مما سمح للكثيرين بإعادة النظر والتفكير في أدوارهم الحالية وسط ارتفاع تكاليف المعيشة والوظائف والمزايا غير المرضية. ومع تصدر عمليات التسريح الجماعي للعمال في جميع أنحاء العالم عناوين الصحف، فقد أدرك الموظفون أنهم مجرد أصول قابلة للاستبدال في مجالس لعبة شطرنج الشركات. وقد كان هذا بمثابة دفعة معنوية لهم لمتابعة أدوار جديدة أكثر إرضاء، ناهيك عن الدافع المتجدد نحو التوظيف الذاتي، سواء كرواد أعمال أو منشئي محتوى على المنصات مثل TikTok و YouTube، مع المطالبة بمزايا من مديري التوظيف أكثر بكثير من أي وقت مضى. وكان من بين أهم هذه الخيارات خيار القدرة على العمل من المنزل، سواء في مكان بعيد تمامًا أو بإمكانية هجينة (أي توزيع العمل بين المكتب والمنزل).
وبعد فترة وجيزة، ونظرًا للظروف العالمية والحاجة الى المزيد من القوة العاملة، سرعان ما أصبح العمل عن بعد كلمة طنانة وممارسة تعتنقها الشركات "المبتكرة" و "البارعة في التكنولوجيا"، حيث كانت Twitter و Facebook من بين الشركات الداعمة لهذه الفكرة. ومع قيادة شركات التكنولوجيا الكبيرة لهذه المهمة، فقد قامت معظم الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة القادرة على استيعاب هذا الشكل الجديد للعمل بتطبيقه بالفعل، كما عملت على التأكد من إعلامك بهذا على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بها. وهكذا بين عشية وضحاها، فقد فرض هذا النموذج الجديد للعمل نفسه كمعيار الجديد، بالرغم من أن المديرين التقليديين والسلطويين كانوا يعتبرونه غير قابلًا للتطبيق في السابق.
وإلى جانب جاذبية الظهور بشكل عصري ومعاصر، سمح العمل عن بعد والعمل الهجين للشركات بخفض التكاليف. حيث أن وجود عدد أقل من الموظفين في أماكن العمل يعني أن الشركات يمكنها استئجار مساحات مكتبية أصغر، وتقليل الإنفاق على تكاليف الأجهزة والمرافق، وكذلك تقليل الإنفاق على الضرائب ونفقات التأشيرات، فضلًا عن خفض تكاليف الوقود، وما إلى ذلك. وفي الواقع، ففي بلد مثل الولايات المتحدة، يمكن للشركات توفير ما يزيد عن 11,000 دولار في المتوسط سنويًا لكل موظف يعمل عن بعد لمدة 50٪ من الوقت، حسب تقدير شركة الأبحاث Global Workplace Analytics
وبعد الوباء بعامين فقد صرنا في عام 2022، حيث تغير مشهد الموارد البشرية إلى الأبد. حيث أصبح العمل عن بعد بدعة أقل من ذي قبل وأكثر من كونه عنصرًا أساسيًا في التوصيف الوظائفي. كما أصبح التركيز على رفاهية الموظفين أكثر انتشارًا، خاصة وأن المرشحين للوظائف اصبحوا يحكمون بشكل متزايد على شركات التوظيف في ضوء ما تقدمه من مزايا للموظفين. فبعد كل شيء، قدمت "الاستقالة الكبرى" فائدة عظيمة للموظفين في هذا الصدد، حيث أصبح المزيد من الوظائف متاحًا أكثر من أي وقت مضى، أمام مرشحين من الصعب إرضاؤهم. كما شهدت المساواة بين الجنسين والعرق والأجر تحسنًا ملحوظًا، حيث يفتح العمل عن بعد الباب أمام مجموعة أكبر بكثير من المرشحين من خلفيات ومواقع مختلفة. وبالإضافة إلى ذلك، يتزايد عدد الشركات التي تتقدم إلى الصدارة لدعم الشركات في استيعاب وإلحاق الموظفين عن بعد – مثل شركة RemotePass على سبيل المثال، والتي تقع في الإمارات العربية المتحدة.
وفي حين أن العمل عن بعد كان نعمة عظيمة للموظفين والشركات والاقتصاد والبيئة، إلا أنه قد انطوى على مجموعة من التحديات الخاصة به، مثل عدم وضوح الحدود بين ساعات العمل وخارج العمل، فضلًا عن عوائق جديدة تتصل بالصحة العقلية والتي يتعين اجتيازها.
هذا وسوف تتركز خطوتنا التالية بالنسبة للشركات والموظفين في جميع أنحاء العالم على التغلب على العيوب التي انطوى عليها وتضمنها نموذج العمل الجديد هذا.