وفي الجدل طويل الأمد بين أنصار أساليب التعلم التقليدية وأنصار التقنيات الأكثر إبداعًا والأكثر عملية، تعمل التقنيات المبتكرة على تحويل الدفة لصالح هؤلاء المبدعين. وبالأخص، يمكننا القول بأن التعلم التجريبي قد وصل تقريبًا إلى نقطة تحول، حيث أنه يستغل الابتكارات والإبداعات الملهمة لإحداث تغيير عميق في الطريقة التي نكتسب بها المعرفة.
وفيما يتعلق بنظرية "التعلم بالممارسة"، وهي فكرة أننا قادرون على تعلم المزيد عن شيء ما عندما نقوم بالعمل (على ذلك الشئ) مقارنة بالوضع الذي نتلقى فيه معلومات عنه بشكل سلبي (أي بدون عمل أو ممارسة)، حيث يعتمد التعلم التجريبي على تجربة ما يتم تدريسه فعليًا. ولقد ظهرت هذه التجربة في السبعينيات وحظيت ببعض التأييد على مر السنين. لكنها اليوم توفر فرصًا جديدة رائعة للتعلم بشكل مختلف بفضل التقنيات الغامرة التي "يمكنها سد الفجوة بين النظري والعملي"، كما أوضح هاني أبو غزالة، مؤسس شركة Mental
استخدام الواقع الافتراضي للحصول على درجات جيدة
تقدم Mental، وهي شركة لتطوير برمجيات XR، كانت قد تأسست لأول مرة في أبوظبي عام 2018، تدريبًا ودورات مهنية أو مؤسسية باستخدام الواقع الافتراضي (VR) والمحتوى الشامل على الويب (web VR)، مع وضع هدف واحد في الاعتبار، ألا وهو: إنشاء تجربة تعليمية أكثر شخصية وسلاسة وجاذبية - باختصار: لخلق تجربة لا تُنسى.
وعلى النقيض التام من منصات الدورات المفتوحة الضخمة عبر الإنترنت (MOOC) مثل Coursera، تعمل Mental على إنشاء بيئات رقمية مخصصة، سواء كانت توأمًا رقميًا أو مكانًا خياليًا، حيث ينغمس المتدربون بأنفسهم. "عندما تكون منخرطًا (في النشاط التعليمي)، فمن المرجح أنك ستتمكن من تذكر ما يتم تدريسه لك. ولنفترض مثلًا أن لديك برنامجًا عن السلامة من الحرائق. فإن الطريقة التي يدرسونها في المدرسة الثانوية هي بمثابة عرض تقديمي من خلال برنامج PowerPoint، وأما الطريقة التي نقوم بها بذلك، فهي أن نجعلك تمشي بنفسك إلى طفاية الحريق، وتسحب الدبوس، وتلتقط الخرطوم، وتصوب نحو قاعدة النار، ثم ترش. "ولن يسمح لك الدرس - (المقدم على هيئة محاكاة/لعبة) بالمضي قدمًا للمرحلة التالية حتى تكون قد قمت باتخاذ [كل] الخطوات السابقة"، أوضح أبو غزالة.
وعلاوة على هذا المحتوى، تتميز المنصة أيضًا بنظام إدارة التعلم الذي يمكنه تتبع مؤشرات الأداء الرئيسية من الواقع الافتراضي ومشاركة الأفكار الثمينة في الوقت الفعلي مع كل من المتدربين والمدربين. . يضيف أبو غزالة: "خذ على سبيل المثال متدربًا في مجال الدفاع عن الأمن القومي. فإنه يمكننا قياس كل شيء، بما في ذلك حركات الأعين. هل أنت (كمتعلم) يقظ؟ هل أنت منتبه للمخاطر والتهديدات المحيطة بك؟ كلها أشياء كان من المستحيل القيام بها في المنصات التعليمية العادية".
إن هذه الفجوة في القدرات بين ما يمكن أن يحققه موقع ويب عادي وما يمكن أن تقدمه التقنيات الجديدة توضح تمامًا كيف يعمل التحول الرقمي على تغيير الطريقة التي نعيش بها باستمرار. والتعلم ليس استثناء من هذه القاعدة. وفي حين أن الدورات التدريبية عبر الإنترنت تكتسب زخمًا تدريجيًا، فإن المنصات مثل Mental تقترح نهجًا جديدًا تمامًا. وكما قال أبو غزالة ببساطة: "في جوهر الأمر، فما نقوم به هو في الأساس عبارة عن تقديم نوع من الألعاب الجادة".
"لعبنة" التعلم من خلال الواقع الافتراضي
في الواقع، استخدم فريق Mental نظرية اللعب لتطوير حلهم، وهو أمر منطقي بالنظر إلى أن أبو غزالة قضى ما يقرب من 15 عامًا في قطاع صناعة الألعاب، حيث كان يعمل لصالح شركات مثل Activision Blizzard. وهو يتذكر ذلك قائلًا: "لقد كان الواقع الافتراضي في دائرة اهتماماتي منذ عام 2013. وكنت أتساءل: كيف يمكننا استخدام هذه التكنولوجيا لشيء أكثر أهمية؟". وسرعان ما تجلى الجواب المنطقي لهذا السؤال. فبحلول عام 2017، كان لدى أبو غزالة نموذج أولي وبيئة افتراضية تم عرضها على شركة ألف للتعليم. "لقد طلبوا منا على الفور القيام بمشروع معهم. وقد كانوا مهتمين بمهمة [افتراضية] إلى المريخ، وتعليم الطلاب كل شيء عن الرحلة - بدءًا من الإطلاق وحتى انعدام الجاذبية وحتى تجربة السير في الفضاء، وأخذ عينات من الغلاف الجوي للمريخ، وهبوط المكوك، وما إلى ذلك. وكانت النتائج رائعة. وكان هذا أول مؤشر لدينا على أن هناك لعبة يجب ممارستها في التعليم. وفي خضم الوباء، ومع المخاوف المتعلقة بالنظافة التي تمنع المستخدمين من استخدام سماعات الواقع الافتراضي، فقد تحولت Mental من شركة خدمات إلى منصة للتعلم عبر الإنترنت.
ومع كل هذا، يدرك أبو غزالة تمام الإدراك حقيقة أنه لن يكون بمقدور جميع المتعلمين شراء أجهزة الواقع الافتراضي، بل وحتى أن بعضهم لن يكون قادرًا - أو حتى راغبًا - في استخدام هذه التكنولوجيا للتعلم. وكما يقول: "إذا لم تتمكن من الوصول إلى المستخدمين المستهدفين، فلن يكون البرنامج ناجحًا، بغض النظر عن مدى روعة استخدامه في الواقع الافتراضي". لذلك، عندما قامت شركة Mental بإدارة برنامج للتدريب على الامتثال وإصدار الشهادات لشركة أبوظبي الوطنية للطاقة (Taqa) على سبيل المثال، فقد قامت بتطوير تطبيق ويب في الواقع الافتراضي والذي يعمل أيضًا مع جهاز الماوس العادي للكمبيوتر - مما يبرهن على طول الخط أن حل الواقع الافتراضي عادةً ما يكون أفضل مناسبة للتدريب الفني، ويمكن أن يساعد أيضًا في المهارات الشخصية.
وعلى الرغم من أن سماعات الواقع الافتراضي ليست شائعة بعد وأن التقنيات الغامرة لا تزال تتطلب الكثير من التحسينات، إلا أن أبو غزالة “واثق تمامًا من أن الجيل التالي من أجهزة الكمبيوتر المستقبلية ستكون قابلة للارتداء، وستصبح أخف وزنًا وأكثر تطورًا. ولن تحل محل الهاتف المحمول مثلما لم تحل حوسبة الهواتف المحمولة محل أجهزة الكمبيوتر. إنها مجرد طريقة أخرى للحصول على مستوى أعلى من التفاعل مع الإنترنت. ويوضح ذلك قائلًا: "تحاول الشركات المشابهة لشركتنا العثور على حالة استخدام وإنجاحها".
وهي الآن بالفعل ناجحة. فاليوم، تتمتع الشركة الناشئة التي يقع مقرها في منصة Hub71 بعلاقة مهنية وتجارية مدتها ثلاث سنوات مع المنظمات الكبرى والهيئات الحكومية في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي لم ينجح موظفوها في تحقيق دورات تدريبية ناجحة فحسب، بل استمتعوا بها أيضًا. «هؤلاء رجال أعمال؛ وبالتالي فهم ليسوا مهتمين بمجاملتنا، بل عليهم أن يروا النتائج (لكي يقتنعوا)"، ويختتم حديثه قائلًا: "ما نركز عليه الآن هو التدريب، والواقع الافتراضي هو بمثابة "صندوق الرمل" التجريبي الذي يمكننا من خلاله القيام بذلك".