قد تكون الموضة المستدامة اليوم محلًا للكثير من الضجيج في جميع أنحاء العالم، ولكن بالنسبة ليارا ياسين، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Up-Fuse، فقد كانت تلك الموضة حالة طارئة تحتاج إلى معالجة في وقت مبكر من عام 2013.
وربما كان لهذا الإدراك المبكر علاقة بحقيقة أن يارا، التي قامت بدراسة تصميم المنتجات وأعمال التجارة الاجتماعية بين مصر وألمانيا، كانت قد أمضت سبعة أشهر في قرية صغيرة بصعيد مصر، تعمل على تمكين النساء اللواتي يعشن في المناطق النائية. ولكونها قد عقدت العزم على تعزيز الوعي البيئي، واقتناعًا منها بأن التغيير يحدث فقط عندما يصطدم التصميم والمجتمع، فقد قامت ياسين بإطلاق شركة Up-Fuse مع شريكتها المؤسسة لما الخوانكي خارج القاهرة في عام 2015.
وفي أقل من عشر سنوات، فإن هذا المشروع المبني على فكرة قيام الأفراد بإعادة تدوير الأكياس البلاستيكية بأنفسهم قد أصبح شركة ناجحة عالميًا، حيث ساعد في إعادة تدوير 1,350,000 كيس بلاستيكي الى مجموعة من المنتجات، بما في ذلك الحقائب والأحذية والمجوهرات، وحيث دعم أكثر من 80 سيدة من الحرفيات في المجمعات الكبرى للقمامة بمدينة القاهرة، والتي تعتبر واحدة من أكثر المدن تلوثًا في العالم. وفي الوقت نفسه، تم تكريم ياسين من قبل الأمم المتحدة كواحدة من عشر شابات من كافة أنحاء العالم يساعدن في مستقبل أكثر اخضرارًا واللاتي حصلن على جوائز في مسابقة WeMENA وغيرها من المناسبات والأحداث الخاصة بالبنك الدولي.
تحويل الصعاب إلى نجاحات
كان هدف يارا في الأصل هو إنشاء مادة ومنتج يمكن أن يكون له تأثير ملموس مع ضمان طول عمر مشروعها واستدامته. حيث تقول ببساطة: "شعرنا أنه يمكننا ابتكار مادة جديدة ومنتج سهل يمكننا استغلاله لنشر الرسالة البيئية ويكون مربحًا في الوقت ذاته". كما أنها اليوم تفخر بأن شركتها عبارة عن قصة نجاح في هذا المضمار، بالإضافة إلى أن حوالي 80٪ من منتجات الشركة قد قامت بصنعها نساء تم تمكينهن من خلال فرص العمل الجديدة هذه.
ومن المثير للاهتمام أن هذه الحصيلة قد تكون بمثابة نتيجة ثانوية سعيدة للنكسات والإخفاقات الأولية والمتمثلة في أن المصانع كانت غير راغبة بالمجازفة على فكرة غير مبرهنة قد اقترحتها بعض النساء اللاتي ليس لديهن خبرة سابقة بإدارة الأعمال. إلا أن يارا وفريق عملها لم يتوانوا عن التوجه إلى المنظمات غير الحكومية التي تدعم النساء في مختلف المجالات، حيث عرضت عليهن تقديم تدريب مهني يركز على عمليات إنتاج محددة حول إعادة التدوير وإعادة التجديد. وقد كان هذا تحولًا كبيرًا بالنسبة ليارا التي لم تكن حتى ذلك الوقت مولعة بعد بالمؤسسات غير الربحية. حيث تقول يارا: "كنت دائمًا أريد إنشاء عمل تجاري مربح حتى يتمكن من الحفاظ على [نفسه] ويجني الناس المال … حيث لا معنى للعمل إذا لم يحقق أحد ربحًا"، ثم تضيف قائلة: "لكن تبين لنا لاحقًا أن معاندة المصانع لنا كانت نعمة خفية. فالمدهش في الموضوع هو أن رفض المصانع لنا كان هو السبب وراء تمكننا من صناعة هذا الحل وهذه المنتجات البيئية." ناهيك عن فرص العمل الجديدة والتمكين الاقتصادي للمجتمعات المحرومة. وتمضي يارا قائلة "نريد إحداث التغيير، وفي نفس الوقت، نهتم فعلًا بالبيئة. وإنه لمن الملهم والمثير بالفعل أن تساعدنا النساء من جميع أنحاء شمال إفريقيا والشرق الأوسط في إنتاج منتجاتنا والترويج لرسالتنا".
الاختراق العالمي
في السنوات الأولى، قفزت يارا من حاضنة أعمال إلى مسرعة أعمال، في محاولة منها لمعرفة كيفية تسويق منتجها وتبسيط عملياتها. وقد أوضحت ذلك بقولها "لم أكن ذكية في ذلك الوقت. فقد كنت أركز فقط على تلقي الأموال حتى أتمكن من الإنتاج، أو تلقي المعرفة اللازمة حتى أتمكن من الإنتاج". ثم قدم البنك الدولي أول مساعدة كبيرة لها في عام 2015 بمنحة قدرها 50,000 دولار لم يتم إنفاقها على الاحتفالات والمظاهر السطحية، بل على تحقيق حلم عمره ثلاث سنين كان قد قيل لـيارا في الماضي أنه مستحيل التحقيق: ألا وهو تطوير آلة مخصصة يمكنها تحويل البلاستيك والمطاط إلى مواد لزجة قابلة للتشكل ويمكن استخدامها بسهولة لتصميم أي منتج تجزئة أو خاص بالأزياء. "لقد بدأنا بجد في استخدام آلة مكواة من طراز فيليبس. وبعد ذلك، فقد قمنا باستغلال معرفتنا الفنية بمسارات العمل لدينا والتعاون مع المهندسين لتصميم آلة ذات حجم صناعي خاص بنا يمكنها تقديم درجة عالية من النعومة والدقة. كما كان علينا اتباع لوائح السلامة، إلا أنه أصبحنا قادرين على معالجة المزيد من المواد غير البلاستيك مثل: إطارات السيارات والزجاج والجسيمات البلاستيكية الدقيقة. وتقول يارا: "لقد صرت أخيرًا قادرة على السماح لمخيلتي أن تنطلق وتسرح كيفما أشاء".
كان هذا الابتكار نقطة تحول بالنسبة لشركة Up-Fuse، حيث تضاعف الإنتاج، مما سمح للشركة بتلبية الطلب المتزايد على منتجاتها. كما أصبح موظفو الشركة المتفانون، الذين كانوا يركزون في السابق على صناعة الحقائب، قادرين الآن على تطبيق مهاراتهم المهنية لتصميم ملابسهم الخاصة، ليس فقط في تنويع عروض منتجات شركة Up-Fuse، وإنما أيضًا عرض إبداعاتهم ومواهبهم.
إن هذا النجاح، بالإضافة لانفتاح يارا [من خلال حاضنات الأعمال] على العديد من الأسواق المختلفة وفوزها بالمسابقات العالمية، قد أعطياها الدفعة التي كانت تحتاجتها للانتقال إلى أسواق أخرى غير مصر، حيث كانت ريادة الأعمال المستدامة ما تزال غير معروفة نسبيًا.
وبالنظر للسياق العالمي للأزياء المستدامة - فقد وصل هذا السوق إلى حجم 25 مليار دولار تقريبًا في كافة أنحاء العالم في عام 2020، وفقًا لتقدير ياسين - لقد لفتت شركة Up-Fuse أخيرًا انتباه المنظمات غير الحكومية والشركات الدولية على حد سواء، مما أدى إلى شراكات جديدة بشأن الالتزام المشترك بالاستدامة والتأثير الاجتماعي، حيث استفادت ياسين من هذه الفرص الجديدة لتوسيع انتشار الشركة ونموها على الصعيدين الإقليمي والدولي. تقول يارا: "يمكنك أن ترى أن [إعادة التدوير] تزداد بشكل واضح وحيوي في الأسواق الرائدة مثل أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وكندا. فالناس ينظرون إليها الآن على أنها أقل ترفًا وأكثر من كونها واجبًا"، وتتواجد الشركة الآن في مصر والإمارات وأوروبا، وتعمل كشركة تقدم الخدمات للشركات والمستهلكين الأفراد (B2C و B2B) بل وحتى المنظمات غير الحكومية، والتي يتم تحفيز العديد منها على شراء المنتجات المعاد تدويرها من أجل المناسبات وكهدايا ترويجية.
ومع تزايد عدد العملاء الذين يبحثون عن بدائل مستدامة، أصبحت أعمال الشركة في ازدهار مع اتاحة الفرصة النهائية لنفسها: مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ 2022 (COP27) الذي عقد في مصر في نوفمبر. فكونها مورد رسمي لجميع الشركات التي تمت استضافتها في ذلك الحدث، نجحت Up-Fuse في توطيد مكانتها كمزود موثوق به للمنتجات المستدامة في البلاد وخارجها، مما عزز من سمعتها وتأثيرها.
وإنه ليس من المستغرب أن تنضم شركة Up-Fuse إلى مؤتمر الأمم المتحدة القادم لتغير المناخ (COP28) الذي سينعقد في الإمارات العربية المتحدة، والمقرر أن يبدأ في نوفمبر 2023.